توكل كرمان.. عنوان الثورة القادمة
بقلم/ فؤاد مسعد
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 26 يوماً
الخميس 27 يناير-كانون الثاني 2011 06:52 م

لم يتردد اسم خلال الأيام الماضية كما تردد اسم توكل، ولم تحظ حادثة بردة الفعل السريعة والغاضبة والمحتجة كما حدث مع جريمة اختطاف توكل كرمان، واقتيادها إلى احد معتقلات السلطة، وهي جريمة لن تسقط بالتقادم، وستظل وصمة عار في جبين مرتكبيها الذين كشفوا بفعلتهم تلك كم هم ضعفاء، وفقراء أخلاق وقيم،

ماذا فعلت توكل غير الاحتجاج على الانتهاكات التي تطال البلاد شرقا وغربا، شمالا وجنوبا؟ لم ترتكب جرما تعاقب عليه، ولم تمارس ولو شيئا من الفساد الذي يغرق فيه سدنة الحكم الفاسد حتى غدا سمة من سماتهم وماركة تسجل باسمهم،

قادت الصحفية والناشطة توكل كرمان بضع مظاهرات تطالب بالتغيير فارتعدت فرائص الطغاة والمستبدين خوفا من انتقال عدوى الثورة التونسية، وتداعوا بكل ما أوتوا من قوة لقمع الفعاليات التي كانت توكل في طليعتها، وحين لم تفلح الة القمع المعتمدة لديهم في إسكات الحناجر التي واصلت هتافها ضد الحكم لجأت إلى وسيلة طالما انتهجتها في لحظات الغضب المنفلت، اختطفوا توكل بطريقة لا تحتاج للوصف، لانها معروفة للجميع، ومثل هذا المشهد يتكرر بشكل شبه يومي في بلاد تسيد فيها منطق القمع والقوة وتوارت لغة القوانين والاعراف، وماذا كانت النتيجة؟

احتج الكل على اختطافها، وتنادى الجميع أحزابا ومنظمات، ونقابات وناشطين وطلاب ومشائخ وقبائل من مختلف المناطق للدفاع عن الصوت الذي طالما دافع عن المظلومين، وجهر في وجه من أدمنوا انتهاك الحقوق والاعتداء على الحريات، وفي حين بدا لهم انهم اسكتوا صوت الحق والحرية في شخص توكل كانت الاف الحناجر تهتف منددة بالجريمة فيما صارت أصابع الاتهام تشير صراحة للفاعل غير المستتر، لتحصد الضحية التضامن الكامل والتفاعل الايجابي الذي يليق بناشطة طالما تفاعلت مع الضحايا ونصبت لهم ومعهم سرادق التضامن دون تلكؤ او تخاذل او تسويف، وما ساحة الحرية التي تعهدتها توكل منذ سنوات إلا واحدة من دلائل الانتصار للمظلومين واول الضحايا فيها حقوق الانسان اليمني العامة والخاصة وحرياته المختلفة،

اعتقلوا توكل مرة واحدة، أما هي فاعتقلت الجناة وتم ضبطهم متلبسين بالحادثة ومدانين بالجرم، تلاحقهم الفضيحة، وكلما حاولوا تغطيتها بشيء تعرت خطاياهم اكثر وأكثر.

لقد استطاعت الصحفية الشجاعة والمناضلة الحرة توكل كرمان أن توقع بجميع اداوت الجريمة في ايديهم أدلة تفضحهم وتسقط عنهم اوراق التوت التي ظنوا انها ستواري سوءاتهم المكشوفة، ومثلما كشفت الاجهزة الامنية المتفرغة لمطاردة الاقلام المعارضة للحكم، والتي ثبت عجزها عن بسط هيبة الدولة في رقعة واسعة من البلاد صارت نهشا ونهبا للانفلات والعنف والقتل والنهب، كشفت الخطاب الرسمي البائس حد اثارة الشفقة، وظهرت تلك التصريحات الفاقعة مدعاة للسخرية والاستهزاء،

جاء تصريح يقول عن (المدعوة) تهم شتى، اولها \\\"تقويض السلم الاجتماعي العام\\\"، واخرها \\\"اثارة الشغب والفوضى\\\"، وهي التهم التي اعتادها اليمنيون كلما شعر الخطاب الحكومي ان ثمة ما يهدد القصر وصاحبه، قيلت الاتهامات ذاتها في الحوثيين كما في انصار الحراك واعضاء المشترك، وطالت الصحفيين والكتاب، بينما الخطاب نفسه يعلم علم اليقين ان من تنطبق عليهم هذه التهم يسرحون ويمرحون-هل نقول ويحكمون؟ وكان يتصور صاحب هذه الاتهامات والتلفيقات ان مثل هذه السخافات ستنطلي على المجتمع الذي خرج موحدا كما لم يتوحد من قبل ليقول كلمته القوية في وجوه نخاسي السياسة وسارقي اقوات الملايين: (افرجوا عن توكل)، لأن من يثير الفوضى ويقوض السلم ويهدد الامن ويعبث بالسكينة حتما ليس توكل،

حاولت المصادر أن تتستر على الجريمة بمزعوم امر النيابة فيما الرجل الاول فيها ينفي علمه، وتلك جريمة وفضيحة يبدو أن ذات المصادر والاجهزة استمرأتها منذ سلسلة حروب الخيواني والمقالح وباقي المناضلين الشرفاء الذين تحرشوا بعش الدبابير، حسب تعبير الكاتبة الامريكية جين نوفاك.

لم يقتصر الامر على فضائح التصريحات المرتبطة بالشأن الامني ولكن الحادثة اصرت الا ان تعري الاقلام المأجورة التابعة لولي النعمة، حين راحت تتماهى مع ذات التصريح المسلول والمسطول والمعلول، وكم كانوا مجردين- ولا زالوا- من قيم المهنة وأخلاقها وهم يلوكون ما يلقى اليهم ممهورا بإمضاء سادتهم دون وازع من ضمير، وما اشد غباء ذلك النكرة الذي حاول اعتساف الحقيقة، حين تحدث لقناة الجزيرة عن (وقرن في بيوتكن...)، حاول ان ينعق بما يملي عليه سيده فخانه التعبير وخذله القدر، فبدا فاغرا فاه، أصم أعمى وأبكم.. ومثله كثيرون سقطوا ويسقطون على هامش الحركة الاجتماعية وثورة الشعوب التي تخلد رموز الحرية والكرامة ودعاة التغيير السلمي والحضاري، وما توكل عنهم ببعيد.

منذ الان لم تعد توكل مجرد ناشطة او صحفية، لقد ارتبط اسمها بمجريات الحراك التواق ليوم الخلاص المنشود، وغدت بصمتها معلما من معالم ثورة الكرامة التي لا مناص منها،

توكل يا أيها \\\"الفجر الصبي\\\"، لك ألف تحية وأنتِ ترسمين بأياد بيضاء ملامح غد مشرق، يعلو فيه وطن حر كريم، يمن بلا فساد ولا انتهاكات، ولا نامت أعين الجبناء.