آخر الاخبار

البنك المركزي يفضح المليشيات ويكشف عن أسباب قراره بنقل مراكز البنوك من صنعاء إلى عدن صيغت في الدقيقة الأخيرة.. تقرير يكشف كواليس صفقة الهدنة التي قبلتها حماس.. وسر قرار الكيان الصهيوني بإغلاق قناة الجزيرة الحكومة الشرعية توجه رسالة تحذير للمليشيات من مغبة تصعيدها الحربي على مختلف الجبهات مليشيات الحوثي تحصر جامعة صنعاء لأبناء قادة الجماعة ومقاتليها اللواء سلطان العرادة يبلغ الإدارة الأمريكية بضرورة الالتزام بالمرجعيات الثلاث لأي عملية سلام قادمة الكويت تؤكد دعمها للحل السياسي في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث .. رئيس هيئة الأركان يدشن فعاليات توعوية لسائقي المركبات العسكرية ويوجه باستكمال ترقيم الجيش مأرب : ندوة فكرية تدعو لتوسيع برامج المواجهة لمشاريع التطييف والتشيُّع الحوثي الإيراني. الاعلام الحوثي يبث مشاهد مصورة لعناصر حوثية تستعرض مهارات الاهانة والإذلال لكبار قيادات حزب المؤتمر في وضح النهار - شاهد كيف ظهر بن حبتور والراعي نتائج اجتماع رئيس مجلس القيادة برئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي والمعنيين بالشأن الاقتصادي

شرعية المافيا قد تنوب عن شرعية الانتخابات، والهدوء في جبهات السياسة سيأتي مصحوبا بفوران في بؤر الصراع

الخميس 22 يناير-كانون الثاني 2009 الساعة 08 مساءً / محمد العلائي - مأرب برس - المصدر
عدد القراءات 5255


كل شيء هادئ على جبهات السياسة. قبل بضعة أسابيع، أعلنت أحزاب اللقاء المشترك تجميد كافة أشكال التواصل مع المؤتمر، لأنه "مضيعة للوقت"، طبقا لتعبير بيان صادر بهذا الشأن. وإذ راح المشترك يلمح إلى أنه، بدلا من هدر الوقت في حوار لا طائل منه، سيشق طريقه في المرحلة الثانية من ما أطلق عليه بـ"التشاور الوطني"، فقد رد المؤتمر على كل ذلك بلغته المتعالية، إنما السمجة أيضا، والتحريضية المجنونة ذاتها. وكان من شأن خطوة كهذه أن تشيع مناخاً من الركود الباعث على الترقب والقلق.

بطريقة ما، ساهمت أحداث غزة الدامية في تعزيز هذا الركود، إلى حد أن البعض أضفى عليه طابعا أخلاقياً. ولكن فعاليات التضامن، خلال الأسبوعين الفائتين، كانت بمثابة مرآة عريضة، لا تخطئها العين، انعكست عليها صورة الشقاق السياسي المتفاقم والآخذ في الاتساع.

وبينما خيم السكون المطبق، بعد انهيار المحادثات بين أطراف الأزمة السياسية في صنعاء، فقد تعالت، وبالتوازي مع ذلك، صيحات الفوضى والعنف في اثنتين من أكثر المناطق اللتين باتتا تشيران، على نحو أو آخر، إلى أزمتين عويصتين ترمزان إلى الاضطراب واللااستقرار اللذين يُخشى أنهما ينتظران اليمن ويهددانها بالتشظي والاندثار، أي باختصار يقرران ما ستكون عليه في السنوات المقبلة: حرف سفيان، والضالع.

الأولى، يمكن أن تمثل بؤرة الصراع الأعتى والأعقد في الشمال: حرب صعدة. فالمواجهات الدائرة بين العصيمات وسفيان، والتي أودت بحياة أكثر من 50 شخصاً، يرجح أنها وثيقة الصلة بأزمة صعدة ذات الأبعاد الغامضة والمتشابكة. أما الثانية فهي المنطقة التي غالبا ما تشير إلى التبرم والغليان الشعبي الجنوبي في أعلى مستوياته. ففي 13 يناير حاولت بعض تيارات الحراك الجنوبي كسر الجمود المهيمن. وعبر سلسلة من الفعاليات الجماهيرية السلمية في عدن والضالع، التي أخذت تتحول إلى ما يشبه التقليد السنوي تحت ما يسمى "لقاءات التصالح والتسامح"، الرامية إلى تجاوز الجروح والأحقاد التاريخية ومعالجة آثارها الوخيمة، بما في ذلك عنف 13 يناير 1986، أفلحت تلك التيارات في لفت العديد من الأنظار الشاخصة باتجاه غزة.

ولا بد أن الأزمتين المستفحلتين (الجنوب وصعدة) تجمعهما، كليهما، وشائج صلة مع أزمة الانتخابات. بل إنه لا يمكن فهم أيهما دون أخذ الأخرى بالحسبان.

...

لا تنفك المعارضة تجادل بأن النظام الحاكم سيدخل مرحلة من اللاشرعية، فيما لو أحجمت هي عن المشاركة في الانتخابات. وهذا صائب إلى حد نسبي فقط. بيد أن هناك منطق آخر مفاده أن "ثمة العديد من الأمثلة المعاصرة، لديكتاتوريات من الأقليات، تمقتها شرائح عريضة من الشعب، وتمكنت مع ذلك من البقاء في الحكم لعشرات من السنين، ومنها النظام العلوي في سوريا، ونظام صدام حسين البعثي في العراق". والذي يتحدث هكذا ليس سوى فرانسيس فوكوياما، المفكر الأمريكي الأبرز، صاحب الأطروحة الشهيرة "نهاية التاريخ". (توصل في أطروحته المثيرة للجدل تلك، إلى أنه من غير المستطاع أن نجد ما هو أفضل من الديمقراطية الليبرالية مثلا أعلى، لأنها قد تشكل "نقطة النهاية في التطور الإيديولوجي للإنسانية"، و "الصورة النهائية لنظام الحكم البشري"، وبالتالي فهي تمثل "نهاية التاريخ من حيث هو عملية مفردة تطورية متلاحمة"، وليس التاريخ بمعناه التقليدي).

كثيرا ما يكون من الصعب الكف عن اعتبار فقدان الشرعية سبباً حتمياً لسقوط الأنظمة. لكن وفيما كان فوكوياما، المتحدر من أصول يابانية، يشرح باستفاضة دواعي الشرعية، من حيث هي أمر ضروري حتى بالنسبة لأكثر الديكتاتوريات ظلما ووحشية، استدرك ليؤكد أن "الافتقار إلى الشرعية لا تعني أزمة في النظام ما لم تنتقل عدوى السخط وعدم الاعتراف إلى الصفوة المرتبطة بالنظام، خاصة الصفوة التي تحتكر أدوات القمع، كالحزب الحاكم، والقوات المسلحة، والشرطة". ويذهب إلى القول: "فحين نتحدث إذن عن أزمة في الشرعية، داخل نظام استبدادي، فإنما نعني أزمة في صفوف الصفوة التي يعتبر انسجامها وتضامنها شرطا أساسيا لفعالية حكم النظام".

وتحكيمنا لفوكوياما، في هذه المسألة الجدلية بالذات، يأتي من كون أفكار الرجل شكلت جزءاً رئيساً من السند الفلسفي، الذي خاض المحافظون الجدد حروبهم الكونية لنشر الديمقراطية، في ضوئها. لهذا علينا أن نترك فوكوياما يواصل مسترسلا: "إن شرعية الدكتاتور قد تنبثق من مصادر عديدة، كالولاء الشخصي من جانب جيش مدلل، أو إيديولوجية محكمة تبرر حقه في الحكم". لكن متى تصل النظم الاستبدادية إلى حالة يمكن معها القول إنها فقدت شرعيتها فانهارت؟

يصل فوكوياما إلى الاستنتاج بأن كل نظام استبدادي، أكان يمينياً أو يسارياً، يتمتع بشرعية ما. إليكم ما كتبه بالنص: "ذلك أن الشرعية ليست هي العدالة ولا الحق بمعناها المطلق وإنما هي مفهوم نسبي قائم في الإدراك الشخصي للناس. ولا غنى لأي نظام يستند في حكمه إلى القوة المحضة وحدها، إلى مبدأ الشرعية بوجه من الوجوه... فإن كان بوسع الطاغية أن يستند إلى القوة في التحكم في أولاده أو في المسنين أو ربما في زوجته، لو أنه كان أقوى من هؤلاء جسديا، فالغالب ألا يكون بمقدوره التحكم في أكثر من اثنين أو ثلاثة أشخاص بنفس الأسلوب".

...

شرعية الرئيس صالح الحقيقية ترتكز بشكل أساسي على مدى العدالة في توزيع "قطعة الحلوى" على مراكز التأثير. أو "النصيب من الكعكة" على حد تعبيره المعروف، والذي استخدمه ذات يوم للغمز بالمتذمرين من طاقم حكمه، والإيحاء بأنهم مجرد أناس جشعين يخالجهم الشعور بأن نصيبهم (من الكعكة) أقل مما ينبغي. أما تفسيره المعلن لسبب بقائه في السلطة كل هذه المدة فهو "عدم وجود بديل" كما قال في آخر مقابلة صحفية أجرتها صحيفة الوسط الأهلية قبل أسبوعين.

زعماء المافيا يمتلكون شرعية من نوع ما، وإلا لما استحقوا صفة الزعامة. يقول فوكوياما: "غير أن الديكتاتور- عند نقطة معينة في نظامه- لابد من أن يكون له أتباع أوفياء يؤمنون بشرعية سلطانه. كذلك الحال بالنسبة لأحط زعيم من زعماء المافيا، وأكثرهم فسادا، فليس بوسعه السيطرة ما لم تقبل "عائلته" شرعيته على أساس ما. لا بد من توافر مبدأ من مبادئ العدالة يسمح بتقسيم الأسلاب فيما بينهم قسمة عادلة". ويضيف: "فالواقع يشير، مع ذلك، إلى أنه حتى أصلب الديكتاتوريين وأكثرهم عناداً كانوا يرون ضرورة لإضفاء ولو قشرة من الشرعية الديمقراطية على أنفسهم عن طريق إجراء الانتخابات".

لكنهم غير مستعدين لتقبل الخسارة، حتى ولو لم يعودوا قادرين على تفسير سبب وجودهم في السلطة.

ويسرد فوكوياما نماذج من بلدان كانت تتمتع بتقاليد ديمقراطية متماسكة، وحينما وصل فيها عسكريون إلى الحكم، اضطروا للتنحي. فعلى سبيل المثال: استولى العسكريون على السلطة في أوروجواي عام 1973 بذريعة شن حرب ضد تمرد توبيماروس. لكن خبرتها الديموقراطية كانت من الرسوخ بحيث أنها أقنعت العسكريين أنفسهم بإجراء استفتاء عام 1980، لاختبار مدى قبول الشعب لنظامهم، فإذا هم يخسرون ويضطرون، عام 1983، إلى التنحي عن الحكم طوعيا.

هل علي الاعتراف أنني لم استطع مقاومة إحساس غامض بالألم، بينما كنت أقرأ تمييز فوكوياما القاسي بين عالم التاريخ (الشرق)، وعالم ما بعد التاريخ المتقدم (الغرب).

...

في أوائل تسعينات القرن الفائت، بلغت الديمقراطية في اليمن شأواً منقطع النظير. حتى إن مارك ن. كاتز الأستاذ المشارك للعلوم السياسية وأنظمة الحكم في جامعة جورج تاون، أشار في ندوة نظمها مركز الإمارات للدراسات بعيد حرب صيف 94 مباشرة، إلى أن اتجاه اليمن نحو الديمقراطية، حينها، أثار تحفظ القوى الإقليمية "فقد تحققت بالفعل درجة ملموسة من الحرية السياسية". وبهذه الطريقة أخذ كاتز يقدم صورة مكثفة عن المشهد السياسي بعد الوحدة: "كانت الصحف اليمنية المستقلة تصدر حاملة على صفحاتها انتقادات قاسية للقيادة العليا في البلاد. وقد وصل بعضها إلى حد المطالبة علانية باستقالة الرئيس علي صالح. وكانت الانتخابات البرلمانية اليمنية في نيسان 1993 حرة ونزيهة، وكما شهد لها بذلك عدد كبير من المراقبين الدوليين". وأشارت إليها مجلة The Economist ، بوصفها "الانتخابات الأكثر ديمقراطية في العالم العربي".

كانت طفرة أكثر منها مصادفة تاريخية. خاطفة وسريعة الزوال. ولسوف ينال الرئيس بسببها تقدير الغرب، لكنه ما يلبث أن ينكص نكوصا مدمرا. فقد اعتبر كاتز أن درجة السيطرة، التي كان يمارسها الرئيس صالح دون العودة إلى البرلمان، أو إلى الأعضاء الجنوبيين في المجلس الرئاسي، الذي كان يضم 5 أعضاء، لعبت دورا محوريا في إشعال فتيل حرب 94. وقال بول ك. دريش، أستاذ الانثروبولوجيا الاجتماعية في جامعة أكسفورد، في الندوة ذاتها، بأن مستوى المناقشات البرلمانية، قبل الحرب الأهلية، والتي كان ينقلها التلفزيون اليمني، كانت من الأهمية لدرجة لا تضاهيها سوى اجتماعات اللجان في كونغرس الولايات المتحدة الأمريكية، حسبما قال.

الآن، لا تزال الديمقراطية شرط بقاء الوحدة الحاسم. وعندما صرح النائب محسن باصرة لصحيفة "الأهالي"، الأسبوع الماضي، بأن الجنوبيين سيكونون في حل من الوحدة السلمية إذا ما دخل المؤتمر الانتخابات النيابية منفردا، فإنه لم يجانب عين الصواب. فالفارق الشاسع بين انتخابات 1993 الأكثر نزاهة، والانتخابات القادمة، يقدم تفسيرا شافيا وبليغا للاضطرابات المتنامية في أرجاء البلد، وفي الجنوب بالأخص.

...

لدى صالح ميل غريزي للسيطرة. والأكيد أنه لم يكن يدرك جوهر فكرة الديمقراطية ومقتضياتها. ذلك أن طبيعة تكوينه المعرفي والنفسي ينبئان أن الرجل لا يمتلك شخصية استبطانية رؤيوية تختار السياسات وتهندسها بوعي وفهم مسبقين. في سرده لسيناريوهات ما بعد الحرب الأهلية في صيف 94، كان السفير تشارلز ف. دنبار، رئيس مجلس كيلفلاند للشؤون الدولية وسفير الولايات المتحدة السابق في اليمن، متأرجحا في اختياره لاحتمال أن يكون صالح، بعد انتصاره، مستعدا للسير بالبلد نحو التعددية السياسية، واحترام الحقوق الفردية والحريات. وانتهى به تردده إلى الاستنتاج الصارخ بأن تخلي صالح عن اعتماد أسلوب الحكم المطلق مستبعد، بالنظر إلى أن "تجربة الرئيس صالح في عمله السياسي المضطرب، تجعله يميل إلى اعتماد أساليب الحكم المطلق التي أوصلته إلى المكانة التي هو عليها". وتابع: "انه يدين بالفضل إلى قواته المسلحة التي يتولى قيادة الوحدات الهامة فيها أقرباء له، في تحقيق الانتصار في الحرب الأهلية. ومن المحتمل أن تتملكه رغبة قوية لمكافأة أولئك". يقول دنبار.

وهذا ما حصل بالفعل. و من الآن فصاعدا، أظن أنه لم يعد مُعزِّيا للرئيس الاعتقاد بأن الديمقراطية يمكن أن تصبح ممارسة ذكية لتأبيد نفسه في الحكم بوسائل أخرى. لقد كانت الديمقراطية التي يتصورها الرئيس لليمن لا تتجاوز أن تكون إبهاماً غضروفياً يوضع في فم الشعب كأسلوب رقيق (أو موضة العصر، كما وصف الديمقراطية في حواره مع السياسة الكويتية قبل شهرين) للتعامل مع الخصوم، ينوب عن الهراوة مثلا، أو أعقاب البنادق وبيادات العسكر. علاوة على إضفائه قدرا من الرونق والجاذبية .

ولو شئنا الدقة أكثر، فالرئيس صالح تجنب الغرق في رهانه بشكل نهائي على "الإبهام الغضروفي الرخو". والواقع أنه دأب على استخدامه جنبا إلى جنب مع الهراوات، وأعقاب البنادق، وبيادات العسكر. ومعرفة من هو الخصم تحدد دائما ماهية الوسيلة الملائمة معه.

على أن اللقاء المشترك أفسد الرهان كما يبدو. إنه يريدها ديمقراطية حقيقية، ليس على غرار ما يجري في سويسرا مثلا، لأن هذا سيكون شططا ومغالاة تنقصها الكياسة، بل على نحو ما هو معتمد في الاروجواي وجنوب أفريقيا، أو حتى دول أوربا الشرقية، التي كانت رازحة تحت وطأة حكم الشمولية السوفييتية لعقود، لكنها حققت انتقالات ديمقراطية في زمن قياسي، يوازي الزمن الذي قطعته اليمن منذ 1990.

وبامتناعه عن الرضوخ، قضم اللقاء المشترك تلك الإبهام الرخوة، إبهام الطفل الرضيع بطيء النضج، وقضم معها شرط وجود المؤتمر من الأساس، باعتبار أن الحزب الحاكم لم يكن أكثر من فرس رهان جامح لكن غبي ومفتقد إلى الإرادة، يخوض به الرئيس ماراثونات القوة ليحرز الانتصارات الساحقة والأمجاد التاريخية الفاصلة في نهاية المطاف. وهذه بديهية من السذاجة تكرار الإشارة إليها.

بالنسبة إلى الناس العاديين، أصبحت الديمقراطية أشبه قليلا بـعلكة لاصقة في قاعدة بيادة المارشال، "شوينجم" مستعمل ومقزز وفاقد المذاق. علكة كبيرة للغاية وظيفتها تتمثل في الآتي: تأمين موطئ قدم رطب لبيادة الفندم، وكأي شيء لزج ومطاط تعمل (العلكة طبعا) على اجتذاب الأنصار والمعاونين الخلص المتعطشين للثراء والنفوذ و"اتصل بي الفندم"، ثم في النهاية قد تطيح به هو نفسه - يطحس ربما بالعلكة نفسها للأسف- عندما تصير أكثر لزوجة مما يجب.

...

من شبه المؤكد ربما أن المؤتمر لم يعد لديه ما يعيش لأجله، في المستقبل القريب، سوى أمر واحد: تدمير الذات. وإذا كانت هذه هي المهمة التي فشلت الديمقراطية الزائفة في انجازها على مدى 19 عاماً، فإن المؤتمر يبدو كما لو أنه قرر تخليص المؤتمر من نفسه، وبملء إرادة الرئيس أيضا. والسبب بسيط: في الانتخابات القادمة لن يجد صالح خصماً يمنحه نشوة النصر. وبالتالي سيؤول المؤتمر إلى عبء ثقيل، لأن مصدر قشرة الشرعية الأوحد سيتحول إلى ما كانت عليه الأمور إبان تسنم صالح سدة الحكم 1978: الجيش. فإذا ما جازف المؤتمر باختيار خوض الانتخابات النيابية منفردا، فإن الأشهر القليلة القادمة ستكون كفيلة بتعرية الهشاشة الرهيبة في صميم كيانه الناتجة عن تناقض المصالح وقلة الانضباط.

الراجح أن اللقاء المشترك تعلم جيدا كيف يمسك بخناق المؤتمر والرئيس معا. ومن غير الواضح ما إذا كانت تلميحات عبدالله احمد غانم، رئيس الدائرة السياسية في المؤتمر، أمس في صحيفة "الناس" صحيحة، أم إنها عبارات تفاؤل تلخص حقيقة أن الوجل الخفيف، الذي بدأ يعتري قلوب القيادات العقلانية داخل المؤتمر، ناجم عن إصرار المشترك الثابت على عدم خوض الانتخابات ما لم يتم التوافق على رؤيته بشأن النظام الانتخابي.

"أنا عندي ثقة كبيرة بأننا سنصل قريبا إلى اتفاق. ودعني لا أقول التفاصيل الآن"، قال غانم. وفي حين طرح عليه الصحفي عبدالله مصلح سؤالا عما إذا كان هذا التلميح مجرد تكهن، أم أنه مبني على معلومات، قال غانم: "هي معلومات، ودعني أتحفظ الآن عن ذكر التفاصيل". وإذ ألح عليه المحرر رد مقتضبا: "تعال لي بعد أسبوعين لتتأكد من التفاصيل".

الخلاصة، هناك قيادات في أعلى هرم المؤتمر ليس لديها فكرة عن مدى الهوة التي تدفع الوطن إلى قعرها. لديها ميل مفرط للمجازفة المقيتة بكل شيء، وتحرص على تقديم نفسها في صورة السياسي الصقوري الجارح، إنما البدين جدا والمتبجح وعديم الأخلاق والمفتقر إلى النضج والنزاهة.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن