لم ترو الأخبار التي يستقونها من وسائل الإعلام ظمأهم فأتوا إلى ساحة التغيير ليشاركوا الثوار صناعة اليمن الجديد

الأربعاء 27 إبريل-نيسان 2011 الساعة 04 مساءً / مأرب برس- هلال الجمرة: النداء
عدد القراءات 6525

أدهشهم ائتلاف وتعايش الناس بجميع مكوناتهم وطبقاتهم الاجتماعية الثقافية

الثورة أعادت لليمنيين في الخارج كرامتهم وعزتهم التي أفقدهم إياها الرئيس طيلة فترة حكمه

عاد إلى بلده بعد غيبة طويلة استمرت نحو 24 عاماً، أمضاها في العمل بالمملكة العربية السعودية. لأول مرة يتلهف رجل الأعمال محمد عبده دبوان لرؤية وطنه. لا سيما بعد عمر من المعاناة التي عاشها في ظل حكم ينحاز إلى الطغاة لأجل كسب ولائهم ضد الشعب. وفي زياراته المتقطعة والنادرة إلى اليمن - التي تنبع من منطلق حنينه لأمه ولأهله - لم يكن الرجل يطيق البقاء هنا، إذ تمضي عليه الساعة كقرن. لكن الوضع اليوم أصبح معكوساً تماماً فالشعب يشهد ميلاد بلد جديد.

قبل أسبوعين وصل محمد دبوان،40 عاماً، ورفيقه الشاب محمد الذاهبي، 29 عاماً، إلى مطار صنعاء في الخامسة عصراً. ومباشرة اتجها صوب اليمن الجديد: ساحة التغيير بصنعاء. "كنا مستعجلين على استنشاق نسيم الحرية، وفعلاً لأول مرة أتنفسه في هذه الساحة"، قال دبوان. كانت رياح الحرية تتصاعد بالكلمات التي دونها الثوار على الشوارع المؤدية للساحة. وقبل دخولهم ساحة التغيير من شارع الحرية استقبلتهم لوحة ترحيبية كبيرة علقها الشباب مكتوب عليها "أهلاً بكم في أول كيلومتر كرامة".

"أدهشني النظام منذ الوهلة الأولى"، قال الذاهبي. خضعوا للاجراء الاحترازي الخاص بالساحة بالتفتيش من قبل اللجنة الأمنية التي كونها الشباب. "فاجأتني أشياء كثيرة داخل الساحة"، قال دبوان مبتهجاً. ووصلا الساعة السابعة مساءً إلى إحدى الخيام التي يعتصم فيها بعض أصدقائهما.

لم ترو الأخبار التي يستقونها من وسائل الإعلام ظمأهم. "العيش في الحدث لا يقارن مع مشاهدة الساحة من خلال الشاشة الصغيرة"، هكذا كان رأي دبوان. لقد اتخذ الرجل القرار بشكل مفاجئ، عقب مشاهدة المجازر التي ارتكبها النظام ضد شباب الثورة السلميين في جمعة الكرامة، واتصل بمحمد الذاهبي يطلب منه مرافقته إلى أرض الأحلام، التي يصنعها شباب الثورة في ساحات الحرية والتغيير. فاتفقا وحجزا على أول طائرة إلى صنعاء.

حضرا ليشهدا هذا الحدث التاريخي العظيم في حياة اليمنيين: مشاركة الشعب في إرادته المتمثلة بإسقاط النظام. "ولمؤازرة المعتصمين في ساحة التغيير وإيصال رسالتنا بأننا يدٌ واحدة"، قالا. وأضاف محمد دبوان (أبو رائد): "خجلت من مشهد الشاب الذي يتقدم بصدره العاري لمواجهة الرصاص الحي في سبيل حريتي وحرية اليمنيين كافة داخل البلد وخارجه، وهذا أثر في نفسي بشدة".

يحمل أبو رائد ومحمد الذاهبي عن ساحة التغيير مشاعر لا تنتهي. أمضيا الإجازة الأسبوعية هنا: 3 أيام في قلب الثورة. "شعور لا يوصف ولا يحس به إلا من يعيشه"، قال الأول. فيما يرى الثاني أن "هذا هو اليمن الذي كنّا نحلم به".

على هتافات الشباب ونغم العود والأغاني والأناشيد الوطنية، يحيي الثوار لياليهم. الزائران أيضاً عاشا 3 ليال خرافية. شاركا الشباب هتافهم "الشعب يريد إسقاط النظام" وأكلهم، وزارا الجرحى والمصابين، وتنقلا للجلوس والنوم في عدد من الخيام.

أبو رائد لاحظ ائتلاف وتعايش الناس بجميع مكوناتهم وطبقاتهم الاجتماعية وخلفياتهم الثقافية. وشارك في حلقات النقاش التي تدار في الخيام والندوات. لامس قضايا ومشاعر ومعاناة هذا الشعب الذي ثار على الظلم والاستبداد، وتأكد أن هناك أشياء جميلة كثيرة لا تستطيع وسائل الإعلام إيصالها. 

ويقول محمد الذاهبي: جلست مع شباب طامحين وحالمين بدولة مدنية حديثة. ويعتقد أن كل شاب من شباب الثورة له قصة مختلفة، إذ يروي لنا ما سمعه من شاب قابله في إحدى الخيام: قال إنه ترك التعليم مبكراً واتجه للعمل بإيجار زهيد بسبب عدم وجود مصدر دخل لأسرته، وذلك بسبب الرئيس، وأنه ينوي مواصلة تعليمه بعد الثورة.

"وجدت داخل هذه الساحة أروع ما في الشعب اليمني، وهذا من أجمل الأشياء التي لمسناها"، قال محمد.

جدد أبو رائد الزيارة للساحة في الأسبوع التالي لزيارته الأولى، وأصبح يفضل أن يقضي فترة إجازته في الساحة التي تبعد عن مقر إقامته في الرياض آلاف الأميال. ويقول إنه سيعتمد ذلك في تحقيق زيارة أسبوعية للثورة.

محمد دبوان، الذي ينتمي إلى محافظة تعز، ومحمد الذاهبي الذي يتحدر من آنس، محافظة ذمار، لم يغادرا ساحة التغيير لمدة 3 أيام. وقد حرصا على أن يستمتعا بكل لحظة لهما هنا، حتى إنهما لم يزورا عائلتيهما في مناطقهما. وهنآ الشباب على عزيمة النضال التي لم تفتر.

تذمرت أسرتاهما لعدم اصطحابهم لزيارة ساحة التغيير

وعصر الأربعاء قبل الماضي، أخبرا زوجتيهما وأبنائهما بقرارهما الذي لايحتمل الانتظار: زيارة الثورة. امتعضت الأسرتان من القرار، فجميعهم أبدى رغبته في السفر لمشاركة أهلهم على درب النضال.

وقف ريان محمد دبوان، 8 سنوات، أمام والده قبل خروجه من البيت. قبّل والده على رأسه، وسأله بلهجة جادة: يا بابا باتروح تقول مع الناس: إرحل... إرحل. فردّ عليه نعم. لم يكتف ريان بسؤال واحد فسأل ثانية: هل ستقتلهم؟ سؤال خطير بالنسبة لطفل شاهد مع أسرته مجزرة جمعة الكرامة 18 مارس التي راح ضحيتها نحو 56 شاباً دون سلاح. وكان الرد من رحيق الثورة: لا.. إحنا سلميين.

أما محمد الذاهبي فقد احتجت زوجته عندما علمت بسفره متأخرة. كانت تريد أن تشاركه السفر إلى ساحات التغيير. لكنه فاجأها بتوقيت السفر. ووعد باصطحابها في المرة القادمة. وزوجته هي إحدى الثوريات في بلاد المهجر، وهي مدرسة في إحدى مدارس الرياض.

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الثورات الشعبية