منظمات حقوقية محلية ودولية تكشف عن انتهاكات جسيمة يتعرض لها مختطفو المتظاهرين على أيدي قوات الأمن اليمنية

الخميس 20 أكتوبر-تشرين الأول 2011 الساعة 05 مساءً / مأرب برس/ صنعاء
عدد القراءات 2633
 
 

نظمت منظمو الكرامة الدولية (مكتب اليمن) والهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات "هود"، مع عدد من المنظمات الحقوقية المحلية مؤتمراً صحفياً بالعاصمة صنعاء، صباح الأربعاء، حول"الاعتقالات التعسفية والتعذيب في السجون اليمنية.. شهادات يرويها الضحايا"، كشف من خلاله عن انتهاكات جسيمة يتعرض لها المتظاهرون السلميون أثناء اختطافهم على أيدي قوات أمنية ومليشيات موالية للرئيس اليمني علي عبدالله صالح في سياق عمليات القمع الممنهج والوحشي لحركة الاحتجاجات السلمية في البلاد.

وشارك في المؤتمر الصحفي، كل من: منظمة سواسية، منظمة مساواة، بالتنسيق مع حملة حرية لمناصرة مختطفي الثورة اليمنية، وهدف المؤتمر إلى التذكير بمعاناة ضحايا الانتهاكات والقمع الممنهج في اليمن بحق المتظاهرين السلميين، في ظل صمت دولي مخيف إزاء هذه الجرائم، بالتوازي مع حملة تضليل إعلامية واسعة تمارسها أجهزة الإعلام التابعة لنظام الرئيس صالح، في محاولة لتزييف الحقائق والتغطية على هذه الجرائم وتشويه صورة المحتجين السلميين لتبرير قمعهم.

وقال رئيس منظمة سواسية المحامي علي هزازي إن جرائم الاعتقالات والتعذيب لا تسقط بالتقادم، مطالباً المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية إزاء هذه الجرائم الوحشية بحق المواطنين اليمنيين.

وأوضح الناشط الحقوقي ومسؤول البلاغات والشكاوي في منظمه "هود" المحامي عبدالرحمن برمان، أن قضية الاعتقالات والتعذيب لم تأخذ حجمها الحقيقي بقدر المعاناة التي يتعرض لها المعتقلون والمختطفون بسجون الأمن، مضيفاً بأن بعض الأهالي يتأخرون في البلاغ عن اختطافات ذويهم، والبعض يرفض تقديم للمنظمات الحقوقية، خشية تعرضهم للانتقام والملاحقة.

وفي المؤتمر الصحفي، قدّم ضحايا أفرج عنهم أخيراً شهادات عن ما تعرضوا له من انتهاكات مروعة خلال فترة اختطافهم على أيدي قوات الأمن والمليشيات التابعة للرئيس صالح، تمثلت بحرمانهم من الأكل والشرب والدواء لأكثر من أسبوع وربط أعينهم وتكتيف أياديهم إلى الخلف، وضربهم وتهديدهم بالقتل ووضعهم في غرف مظلمة وتعذيبهم بالثعابين في غرف مغلقة، بالإضافة إلى إحراقهم بألسنة الشمع وصعقهم بالكهرباء، وحرمانهم من ممارسة الشعائر الدينية كالصلاة، ورشهم بالمخلفات الآدمية (البول)، ووضعهم في غرف ضيقة مكبلين لمدة أيام خلال فترة الاعتقال والتعذيب.

وروى أحد الضحايا، يدعى "رويشان محمد البحر – 33 سنة"، من منطقة وصاب التابعة لمحافظة ذمار وسط اليمن، قصة اختطافه ضمن مجموعة من المتظاهرين السلميين، خلال مشاركتهم في مسيرة احتجاجية سلمية انطلقت من ساحة الاعتصام بصنعاء في تأريخ 9 أبريل/ نيسان 2011، وتعرضت لقمع قوات الأمن المركزي التي يقودها العميد يحيى محمد عبدالله صالح نجل شقيق الرئيس صالح.

وقال السيد البحر إنه اختطف على أيدي مسلحين من أنصار النظام كانوا مندسين في صفوف المتظاهرين، وحين أصيب بالإغماء جراء القنابل الغازية والمسيلة للدموع، أخذوه إلى متن سيارة عسكرية "حاملة جند" تابعة لقوات الأمن المركزي، عند جولة "كنتاكي" في شارع الزبيري وسط العاصمة، حيث اقتادوه مع آخرين إلى أحد مراكز الاحتجاز وقاموا بتعذيبهم وإرهابهم.

في داخل السيارة التي اختطفوه إليها شاهد السيد البحري طفلاً في الحادية عشرة من العمر مصاباً في إحدى يديه إصابة بالغة أدت إلى بترها، وكانت الدماء تنزف بغزارة، يضيف: "اندفعت محاولاً إسعاف الطفل أو تضميد جراحه، غير أن الجنود باشروني بالضرب قبل أن يرشوني بمادة مخدرة فقدت على إثرها الوعي، ولم أستفق إلا داخل السجن، وقد ربطوا على عيني ويداي مكبلتان إلى الخلف".

يروي البحر الذي ظل رهن الاختفاء القسري والتعذيب عشرة أيام، أنه حين استفاق من تأثير المادة المخدرة بدأ الجنود ينهالون عليه وعلى بقية أفراد المجموعة بالضرب والركل بالأقدام وتوجيه الشتائم المقذعة ضدهم والسخرية منهم، كما أنه كان يسمع أصوات ضحايا مختطفين يتعرضون للضرب والشتم.

وقضى البحر لمدة عشرة أيام وهو مغطى العينين ويداه مكبلتان إلى الخلف، لم يتم استجوابهم أو توجيه أي تهمة ضدهم، عدا السخرية منهم لمشاركتهم في الاحتجاجات السلمية، وفي بعض الأحيان كان الجنود يصعدون على صدورهم بالأحذية إمعاناً في تعذيب الضحايا وإذلالهم.

وفي إحدى المرات طلب المحتجزون السماح لهم بدخول دورات المياه لقضاء حاجتهم، غير أن الجنود أعطوهم لكل واحد منهم قنينة فارغة، طلبوا منهم التبول فيها، وهم معصوبو العينين، قبل أن يجبروهم على شرب بولهم بالقوة.

وفي حادثة مشابهة خلا الاحتجاز، طلب أحد الضحايا السماح له بالصلاة، فقام الجنود وبالوا على رؤوس المحتجزين كلهم، ثم خاطبوهم بتهكم: "أنتم الآن على وضوء، يمكنكم أن تصلوا"، بحسب السيد البحر.

ووفقاً لشهادته، ظل الخاطفون يسامونهم على إطلاق سراحهم مقابل الإمضاء على أوراق والتعهد بالعمل كمخبرين مع النظام، بعد التأكد من عناوين إقامتهم وتعريف عاقل الحارة، على أن يقوم النظام بتلبية احتياجات أولئك الذين يوافقون على هذا العرض وتوظيفهم في الجهاز الإداري للدولة.

وشملت وسائل التعذيب حرمان الضحايا من النوم بواسطة أصوات مزعجة يتم تسليطها على المختطفين في مراكز الاحتجاز، وكانوا يطلبون منهم ترديد هتافات تتضمن شتائم مقذعة لشخصيات عسكرية ودينية أعلنت تأييدها للاحتجاجات السلمية.

وطبقاً لشهادته أمام وسائل الإعلام، لم يتمكن السيد البحر من تحديد مركز الاحتجاز الذي قضى فيه عشرة أيام، لكنه تمكن من التعرف على صوت أحد الخاطفين، يدعى "محمد صالح"، وهو من أعضاء الحزب الحاكم، يتولى الإشراف على أحد مخيمات أنصار الرئيس صالح الذين يوصفون بـ"البلاطجة".

وبحسب السيد البحر، فقد أجبروه قبل إطلاق سراحه على الإمضاء، وهو معصوب العينين، على أوراق لم يعرف محتواها، ثم اقتادوه مع آخرين على متن أحد الأطقم العسكرية وألقوه مكبلاً ومغطى العينين في أحد شوارع المدينة، ليعود مجدداً إلى ساحة الاعتصام.

مأساة السيد البحر لم تقف عند هذا الحد، فقد أقدم مسلحون من أنصار صالح، بعد أيام من هذه الحادثة، باختطاف أحد أبنائه، يبلغ من العمر خمس سنوات، وذلك لإجبار الأب على مغادرة ساحة الاعتصام، قبل أن يطلقوا سراح الطفل المحتجز بعد أسبوع، وبحسب السيد البحر فقد كان وراء عملية اختطاف هذه ذات الشخص الذي تعرف على صوته أثناء الاحتجاز.

أما السيد مجاهد ناصر محمد وهبان (25 سنة)، وهو ضحية أخرى من ضحايا الاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب على أيدي مليشيات تابعة لنظام الرئيس صالح، فقد اختطف في تأريخ 1 سبتمبر/أيلول 2011، حين اعترضه مجموعة من المسلحين على متن سيارة فارهة، لدى خروجه من ساحة الاعتصام، قاموا بتغطية عينيه وتكبيل يديه إلى الخلف، واقتادوه تحت تهديد السلاح إلى جهة مجهولة، حيث أخفي قسرياً لمدة 14 يوماً، تعرض خلالها لصنوف شتى من التعذيب وسوء المعاملة.

يقول وهبان: "في ثالث أيام عيد الفطر شاركت بقصيدة شعرية على منصة ساحة التغيير، وبعد عدة ساعات خرجت باتجاه التحرير وأثناء وصولي إلى جوار مقر صحيفة 26 سبتمبر الناطقة باسم الجيش اعترضني مجموعة أشخاص، كانوا على متن سيارة فارهة، وبحركة سريعة قاموا بربط عيوني وتكبيل يداي إلى الخلف، وعندما سألتهم عن هويتهم وضع أحدهم مسدسه على رأسي، وطلب مني السكوت، ثم أخذوني إلى داخل السيارة تحت تهديدي بالقتل، ونقلوني إلى سجن غير معروف، شعرت أنه بدروم تحت الأرض، بقيت فيه طيلة مدة الاعتقال".

ويتابع السيد وهبان بأنه فور وصوله إلى مركز الاحتجاز بدؤوا استجوابه، وهو مغطى العينين ومكبل اليدين إلى الخلف،، بعد أن صادروا هواتفه وكافة الأوراق والنقود التي كانت بحوزته، حيث سألوه عن هويته وعن الأسباب التي دفعته للانضمام إلى الثورة الشبابية المطالبة بإسقاط نظام الرئيس صالح، وبرغم محاولاته إقناعهم عدم تأييده للثورة، لإطلاق سراحه أو تفادياً لوقوعه تحت التعذيب، إلا أنهم أوسعوه ضرباً ووجهوا له ألفاظاً مسيئة، بعد أن أسمعوه قصائد شعرية مسجلة بصوته ينتقد فيها النظام.

وطبقاً لشهادته، احتجز السيد وهبان في غرفة صغيرة مظلمة، عبارة عن دورة مياه تفتقر لأبسط مقومات الحياة، لا فراش أدخلوه فيها، فوجد فيها شخصاً ملقى على الأرض وهو يضحك بشكل هستيري، من آثار التعذيب التي كانت واضحة على جسده، حيث كانت آثار الدماء على وجهه وجروح غائرة في الساقين وأنحاء مختلفة من الجسد، يضيف وهبان إنه عندما أخرج في اليوم التالي للتحقيق معه، أُعيد إلى نفس الغرفة لكنه لم يجد ذلك الشخص.

لقد روى السيد وهبان تفاصيل مفزعة عن عملية الضرب وسوء المعاملة التي تعرض لها طيلة مدة احتجازه، بالإضافة إلى تهديده بالقتل وقطع لسانه، وتعرض للإغماء بسبب حرمانه من الطعام والماء، عدا قطرات متقطعة وغير نظيفة عبر صنابير دورة المياه داخل الغرفة التي يحتجز فيها، وهو ما تسبب له بحصوات في الكلى لا يزال يتلقى العلاج منها إلى اليوم.

وقد أفرج عن السيد وهبان وهو في حالة شديدة من الإعياء والتعب ووفي وضع صحي متدهور بسبب ظروف الاحتجاز والتعذيب النفسي والبدني وسوء المعاملة، وعندما أطلقوا سراحه ألقوه في أحد الشوارع معصوب العينين.

ويشير العديد من ضحايا الاختطافات والتعذيب من المتظاهرين السلميين إلى أن خاطفيهم كانوا يعمدون إلى مصادرة كافة الوثائق وبطاقات الهوية والنقود التي بحوزتهم بالإضافة إلى مصادرة تلفوناتهم، ومنعهم من أي اتصال بالعالم الخارجي.

وبحسب إحصائيات منظمة "هود" الحقوقية الراصدة في اليمن، بلغ عدد الشكاوى التي تلقتها المنظمة بشأن حالات اختطاف على أيدي أجهزة الأمن 1240 بلاغاً منذ اندلاع موجة الاحتجاجات مطلع العام الجاري، تم الإفراج عن 80 شخصاً فقط، بينما لا يزال الباقون رهن الاحتجاز التعسفي.

ووفقاً للمنظمة ذاتها، هناك أكثر من 500 شخص محتجز في سجن الاستخبارات العسكرية، بالإضافة إلى عدد غير معروف من الضحايا محتجزون في كل من سجن البحث الجنائي بصنعاء، وسجون أخرى سرية في معسكرات الحرس الجمهوري التي يقودها العقيد أحمد علي عبدالله صالح نجل الرئيس صالح، واعتقل ضحايا سابقون في معسكر القوات الجوية "قاعدة الديلمي"، كما اعتقل آخرون في معسكر قوات الأمن المركزي، وجميعها مراكز احتجاز غير قانونية.

علاوةً على ذلك، أكدت منظمات حقوقية بأنها تلقت بلاغات تفيد بقيام أقسام الشرطة التابعة لوزارة الداخلية اليمنية بمنطقة السبعين بالقرب من دار الرئاسة بأخذ الضحايا (المختطفين الجرحى والمصابين من المتظاهرين السلميين)، وإجبارهم على ارتداء الزي الرسمي لقوات الفرقة المدرعة الأولى المؤيدة للثورة الشعبية، من أجل إجبارهم على الإدلاء باعترافات مصورة على أنهم قتلوا متظاهرين، ومن ثم تقوم ببث اعترافاتهم على قنوات التلفزة التابعة لعائلة الرئيس صالح (سبأ، واليمن).

وبالإضافة إلى قوات الأمن المركزي وقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وجميعها يقودها أقارب صالح، أقدم نظام الرئيس صالح على تشكيل مليشيات مسلحة تحت اسم "اللجان الشعبية لحماية الشرعية الدستورية"، حيث تقوم هذه الأخيرة بممارسة أعمال القتل والقنص والاختطافات ونهب المحلات التجارية والمنازل.

منظمة الكرامة (مقرها في جنيف) من جهتها ناشدت كافة المؤسسات الدولية وأجهزة القضاء اليمني الخروج عن دائرة الصمت، الذي بات يشجع المليشيات التابعة للرئيس صالح وأجهزته الأمنية على ارتكاب مزيد من جرائم القمع ضد المواطنين اليمنيين، وتطالبها تحمل مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية إزاء هذه الجرائم التي ترقى إلى مستوى "جرائم ضد الإنسانية".

وأكدت الكرامة على أن ما يجري في اليمن من عمليات قمع ممنهج واستخدام مميت للقوة، يتنافى بشكل جذري مع القوانين المحلية والأعراف والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، مع الإشارة إلى أن منظمتنا ستعمل بشكل وثيق مع شركائها المحليين وكافة الجهات المعنية في هذا البلد لرصد هذه الانتهاكات وتوثيقها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة والكفيلة بإنصاف الضحايا وملاحقة المتورطين في هذه الانتهاكات دولياً.