اليمنيون يسدلون الستار رسميا على ثلاثة عقود من حكم صالح، ويتوجون ثورة فبراير بأول رئيس جنوبي لليمن الموحد

الثلاثاء 21 فبراير-شباط 2012 الساعة 09 مساءً / مأرب برس/ خاص
عدد القراءات 11629
 
  

اعتبارا من الساعة الثامنة من مساء اليوم الثلاثاء 21 فبراير 201 2 يكون اليمنيون قد أسدلوا الستار رسميا على أكثر من ثلاثة عقود من حكم الرئيس علي عبد الله صالح.

ونظرا للطبيعة الاستثنائية لهذه الانتخابات، تبدو إجراءات إعلان نتائجها غير ذات أهمية بالنسبة لملايين الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم لانتخاب المشير عبد ربه منصور هادي رئيسا توافقيا جديدا لليمن.

نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع، كانت متفاوتة من محافظة إلى أخرى، ومن مركز انتخابي إلى آخر، ولم يتعذر إجراء الانتخابات سوى في 9 دوائر انتخابية من إجمالي 301 دائرة انتخابية.

وتصدرت محافظة تعز، وفقا للمؤشرات الأولية، قائمة أعلى المحافظات اليمنية في مستوى الإقبال على المشاركة في الانتخابات من قبل الناخبين، تلتها صنعاء، وإب، فيما جاءت المحافظات الجنوبية في ذيل القائمة، نظرا لإعمال العنف المتفرقة التي شهدتها بعض المراكز الانتخابية.

خلال الساعات القادمة ستعلن اللجنة العليا للانتخابات، عدد المشاركين في عملية الاقتراع، كما ستقوم في وقت لاحق بإعلان النتائج النهائية للانتخابات، وفوز المشير الركن عبد ربه منصور هادي، المؤكد في الانتخابات.

هذا الإعلان الرسمي من قبل اللجنة العليا للانتخابات، لا يشكل أهمية كبرى، باعتبار أن هذه الانتخابات كانت محسومة سلفا، والأهم من ذلك هو نجاح الانتخابات، وإسدال الستار على أكثر من ثلاثة عقود من حكم الرئيس صالح.

ورغم أن هادي واعتبارا من الساعة الثامنة من مساء اليوم يعتبر رئيسا رسميا منتخبا لليمن، بانتظار أن استكمال الإجراءات الدستورية، بأدائه لليمين الدستورية أمام البرلمان، ليبدأ في مباشرة مهامه الرئاسية، كأول رئيس جنوبي للجمهورية اليمنية، منذ إعلان دولة الوحدة عام 1990.

واعتبارا من الليلة، يعتبر صالح رئيسا سابقا لليمن، فيما سيظل هادي بانتظار استكمال الإجراءات الدستورية، التي ستأخذ مجراها خلال الأيام القادمة بشكل روتيني.

وبنجاح هذه الانتخابات التي شارك ملايين الناخبين، في مختلف المحافظات اليمنية، يكون هادي قد حصل على الشرعية الانتخابية المطلوبة، بغض النظر عن الجدل الذي لا زال يثيره البعض حول ماهية هذه الانتخابات، وفيما إذا كانت انتخابات، أو استفتاء، أو حتى أقل من استفتاء، وبعض النظر أيضا عن حجج المقاطعين للانتخابات الذين ستظل أصواتهم المعترضة، مصنفة في خانة الأقلية، بعد أن حاز هادي على شرعية الأغلبية.

هادي، الذي عرف بشخصيته الانطوائية والغامضة، أصبح رئيسا منتخبا لليمن، وأصبح المسئول الأول عن ملفات شائكة، على رأسها قضية الحراك الجنوبي، وقضية صعدة، وقضية إعادة هيكلة الجيش، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية، وإجراء الحوار الوطني، بين مختلف القوى السياسية للاتفاق على شكل الدولة اليمنية الجديدة، وإعداد دستور جديد لليمن، وغيرها من الملفات الصعبة، والتحضير لانتخابات رئاسية ونيابية مع نهاية المرحلة الانتقالية الراهنة.

صالح سيكمل عامه السبعين رئيسا سابقا لليمن

وصف هذا اليوم بأنه أهم يوم في التاريخ اليمني المعاصر، فمنذ هذه الليلة تكون 33 عاما ونيف من حكم صالح قد وصلت إلى نهايتها.

هذه النهاية كانت بفضل ثورة الـ11 من فبراير 2011، ووفقا للمبادرة الخليجية التي وقّع عليها المؤتمر الشعبي والعام وحلفاؤه واللقاء المشترك وشركاؤه في الـ23 من نوفمبر في العاصمة السعودية الرياض, برعاية العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز.

الرئيس علي عبد الله صالح، الذي سيكمل في الـ21 من مارس القادم، عامه السبعين، أخلف وعده الذي أعلنه قبيل مغادرته لليمن إلى أميركا بأنه سيعود ليقود الحملة الانتخابية لخلفه الرئيس عبد ربه منصور هادي، لكنه بذلك قد يكون اختار الأنسب له، فمشاهدته لحشود الناخبين الذين توجهوا اليوم إلى صناديق الاقتراع، للتصويت على ترحيله من السلطة، تسببت له بكل تأكيد بالكثير من الحسرة والألم.

علي صالح, الذي تولى السلطة في الـ17 من يوليو عام 1978 في الجمهورية العربية اليمنية, وترأس اليمن الموحد منذ العام 1990 وحتى الآن, أصبح الرئيس السابق لليمن.

ثورة الـ11 من فبراير ودورها في الإطاحة بنظام صالح

بعيد الإطاحة بنظام الرئيس المصري حسني مبارك مساء الجمعة الـ11 من فبراير من العام الماضي, عمّت التظاهرات والاحتفالات كبرى المدن اليمنية؛ تزامنًا مع الاحتفالات التي شهدتها العواصم وكبرى المدن العربية, بعد أن كان الجميع ينتظرون تنحي الثمانيني حسني مبارك بعد حكم لجمهورية مصر استمر ثلاثة عقود. إلا أن التظاهرة التي قادها عشرات الشباب في مدينة تعز, جنوب غرب اليمن, كان لها أن تؤسس لأول ساحة نضال ثوري سلمي أسميت فيما بعد بـ ساحة الحرية. وهي بذلك, وحسب رأي كثيرين, تكون قد فجّرت ينبوع الثورة اليمنية الراهنة في الـ11 من فبراير 2011, لتستمر ينابيع أخرى بالانفجار مما كون نهرًا جارفًا أدى إلى مآلات كثيرة توجها معظم اليمنيين اليوم بإنهاء حكم صالح رسميًا, ولكن قائمة المطالب ومهام المرحلة المقبلة لا تزال تنوء منها الجبال, وستكون محطات ليس من السهولة بمكان اجتراح حلول لها إبان مرحلة الرئيس القادم.

ويحسب لـ الثورة الشبابية أنها أتت بأول رئيس جنوبي إلى سُدّة الحكم في اليمن في التاريخ اليمني الحديث.

وكانت اليمن محط أنظار العالم أجمع, إذ أن البلد الذي يعج بـ أكثر من 70 مليون قطعة سلاح على الأقل والذي يتمتع تركيبه الديموغرافي بالتقليدية, فضّل نهج الخيار السلمي للمطالبة بإسقاط النظام على أي نهج آخر, غير أن أنهارًا من الدماء سالت ابتداء من مدينة عدن, جنوب اليمن, حيث سقط أول شهيد في الثورة السلمية في الـ16 من فبراير, فيما كان أول شهيد قد سقط في تعز, جنوب غرب البلاد, وفي أول جمعة يحتشد فيها المتظاهرون في الـ18 من ذات الشهر, في حين شهدت مدينة صنعاء, العاصمة, سقوط أول شهيد في الـ22 من الشهر نفسه.

ولن تنسى الذاكرة الجمعية لـ اليمنيين جرائم القتل الشنيعة التي حدثت في عدن فبراير 2011, وصنعاء 18 مارس و23 مايو و18 سبتمبر, وتعز 27 مايو, وغيرها من المدن اليمنية, مع الإشارة هنا إلى أن الجرائم لم تنحصر عند في أشهر فبراير ومارس ومايو وسبتمبر فقط, بل كانت متسلسلة منذ بداية الثورة في أكثر من مكان وفي أكثر من زمن.

لكن معظم اليمنيين وقواهم السياسية البارزة اجمعوا مؤخرًا حول التوافق السياسي وفضلوا إنهاء ما تمر به البلد عبر انتخابات رئاسية هي الأولى من نوعها في تاريخ الديمقراطية, بمرشح واحد فقط هو المشير عبدربه منصور هادي الذي ظل نائبًا للرئيس السابق علي صالح منذ العام 1994, كما ظل برتبة فريق حتى يناير المنصرم حيث أصدر صالح قرارًا قضى بترقيته إلى رتبة مشير أو مارشال وهي أعلى رتبة عسكرية.

ولم تأت الثورة السلمية اليمنية كامتداد للربيع العربي بقدر ما كنت سبّاقة على هذا الأخير الذي تبركن في تونس, وربما صانعة له, بحدثين استثنائيين, أولهما الانتخابات الرئاسية التي شهدها العام 2006, والتي تنافس فيها صالح – مرشح المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم حينها – مع مرشح أحزاب اللقاء المشترك – المعارضة الرئيسية حينها – المهندس فيصل بن شملان, وإن كان كثيرون بعد انطلاقة الثورة السلمية, وفي مقدمتهم اللواء علي محسن الأحمر قد قالوا إن المرشح الفائز في انتخابات 2006 كان فيصل بن شملان, إلا أن اللجنة الانتخابية حينها أعلنت صالحًا فائزًا فيها بنسبة فاقت الـ77%. وثانيهما الحركة الشعبية السلمية التي انطلقت في جنوب اليمن والتي كوّنت ما أضحى يعرف بـ الحراك الجنوبي الذي انطلق مع بداية العام 2007 وقاده متقاعدون عسكريون والذي رفع في البدء قضايا مطلبية وحقوقية قبل أن ترتفع سقف مطالبه سياسيًا إلى درجة المطالبة بـ فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية السابقة. (كان جنوب اليمن – جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية - قد توحد مع شماله – الجمهورية العربية اليمنية - في الـ22 من مايو 1990). للمزيد انقر هنا.

من هو علي عبدالله صالح؟

لم يُكتب تاريخ الرجل حتى الآن كما تريده المهنية التاريخية. ولقد عاصر مراحل لا شك أنها مهمة إن لم تكن الأبرز في تاريخ اليمن, والتي تأتي في مقدمتها تحقيق الوحدة اليمنية والذي كانت إلى جانبه في تحقيقها رجالات كثيرة أبرزها الأمين العام السابق للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض الذي يتزعم حاليًا في دول الشتات الأوروبية والعربية مكونًا في الحراك الجنوبي يدعو إلى فك الارتباط.

ويعد علي عبدالله صالح سادس رئيس لـ الجمهورية العربية اليمنية (1978 - 1990), وأول رئيس لـ الجمهورية اليمنية (1990 - 2012). وتعد فترة حكمه أطول فترة حكم لرئيس في اليمن خلال أكثر من ستة عقود, وحتى الآن يعد صاحب ثاني أطول فترة حكم من بين الحكام العرب - الذين هم على قيد الحياة حاليًا – بعد السلطان العماني قابوس بن سعيد.

تولى السلطة في الجمهورية العربية اليمنية خلفًا للرئيس المؤقت عبدالكريم العرشي في الـ17 من يوليو 1978, بعد أحداث دامية شهدها الشمال اليمني والتي أدت إلى مقتل رئيسين في أقل من عام.

أسس في العام 1982 حزب المؤتمر الشعبي العام, والذي أضحى الحزب الحاكم في اليمن الموحد في المدة ما بين 1997 إلى 2011, ولا يزال حاليا مشاركًا في نصف مقاعد حكومة الوفاق الوطنية التي يرأسها محمد سالم باسندوة.

في العام 1989 وقع صالح اتفاقية الوحدة في عدن مع قيادة الشطر الجنوبي في اليمن وفي مقدمتهم علي سالم البيض, وابتداء من الـ22 من مايو أضحى صالح أول رئيس لليمن الموحد والذي توحد لأول مرة في التاريخ.

في المدة ما بين 1990 وحتى العام 1990 كان منصب صالح رئيسًا لمجلس الرئاسة, وبعد قيادته لحرب صيف 1994 سيئة الصيت والتي أدت إلى طرد شريكه في الوحدة واحتلال جنوب اليمن أضحى يلقب برئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة إضافة إلى رئيس هيئة القضاء الأعلى المنصب الذي تنازل عنه لصالح القاضي عصام السماوي.

دخل في حروب ستة ضد الحوثيين في شمال الشمال اليمني ابتداء من العام 2004 وحتى العام 2010, وهي الحرب التي قادها بالنيابة عن النظام اليمني قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية اللواء الركن علي محسن الأحمر الذي أعلن انشقاقه عن الجيش اليمني وموالاته للثورة السلمية في الـ21 من مارس, بعد ثلاثة أيام من حادث جمعة الكرامة في العاصمة صنعاء.

واجه الرئيس صالح ثورة شعبية عارمة عام 2011 أدت إلى توقيعه على المبادرة الخليجية في الـ23 من نوفمبر 2011 بالعاصمة السعودية الرياض, والذي بموجبها ترك منصب الرئيس اعتبارا من اليوم لصالح نائبه عبدربه منصور هادي.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن