اعترافات المتهمين ومحاضر التحقيقات تكشف عن تواجد قيادات أمنية في مسرح الجريمة يوم جمعة الكرامة

الأحد 18 مارس - آذار 2012 الساعة 07 مساءً / مأرب برس/ خاص
عدد القراءات 13626

لم تعرف صنعاء جمعة كـ«جمعة الكرامة»، فقد أشرقت شمس ذلك اليوم (18 مارس 2011)، متوارية خلف طبقات من الغيوم التي غطت سماء صنعاء، استعدادا لاستقبال أرواح العشرات من الشهداء، الذين ارتوت بدمائهم ساحة التغيير، ووصلت بتضحياتهم ثورة الشباب السلمية إلى أوج عنفوانها الثوري.

تغلغلت المشاهد الدموية لتلك المجزرة بكل تفاصيلها في الذاكرة الجمعية لليمنيين، الذين يحيون اليوم ذكراها السنوية الأولى، في مختلف ساحات الثورة بالمحافظات اليمنية، مجددين عهدهم للشهداء بمحاكمة القتلة.

ويرصد «مأرب برس» خفايا تلك المجزرة عبر سلسلة من التقارير، بدأت  بالحلقة الأولى، المخصصة لرصد تفاصيل الترتيبات التي تمت قبيل المجزرة، وتتناول هذه الحلقة تفاصيل ما جرى يوم المجزرة، بالإضافة بعض ما ورد في محاضر تحقيقات النيابة العامة في القضية، فيما ستتناول الحلقات القادمة تباعا تفاصيل وخفايا أخرى للمجزرة وما تلاها من قرارات..

للجدار ضفتان


منذ الصباح الباكر يوم (18 مارس 2011) بدأ المصلون يتوافدون على ساحة التغيير بصنعاء، للمشاركة في إحياء فعاليات «جمعة الكرامة»، رغم الجدران العازلة، وحالة الحصار المفروضة على الساحة من كافة مداخلها باستثناء مداخل محدودة تركت للساحة.

كان آخر صف لجموع المصلين عند جدار المجزرة، الواقع على بعد أمتار من تقاطع شارع الرقاص مع شارع الخط الدائري، ونظرا للحشود الهائلة من المصلين المكتضين داخل الساحة، فقد كان الزحام شديدا عند هذا الجدار.

كان للجدار ضفتان، فعلى شمالي الجدار كان المصلون مولين وجوههم باتجاه الكعبة المشرفة، التي يعتبر هدمها «حجرا حجرا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم» ، وعلى جنوبي الجدار كان القتلة يأخذون مواقعهم استعدادا لتنفيذ أبشع مجزرة عرفها التاريخ اليمني المعاصر.

وفي تلك اللحظات أيضا، انقطعت التغطية عن الهواتف النقالة بشكل كلي في المنطقة، جراء وضع أجهزة تشويش خاصة لعزل المنطقة بشكل كامل.

لم يكد المصلون ينهون صلاتي الظهر والعصر «جمعا»، حتى كانت الأدخنة السوداء تتصاعد من جنوبي الجدار، وكانت أعدمة الدخان هذه بمثابة الغطاء الذي أراد القتلة أن يتستروا وراءه كي لا يتم التعرف عليهم، بالرغم من أنهم كانوا ملثمين.

الطلقة الأولى

الرصاصة الأولى أطلقها نجل محافظ المحويت، علي أحمد علي الأحول، ويعتقد البعض بأنها كانت ردا على محاولة المعتصمين هدم الجدار، غير أن هذا الاعتقاد ليس صحيحا، لأن المعتصمين لم يلتفتوا للجدار إلا بعد أن بدأت أعمدة الدخان تتصاعد من ورائه، ولم يحتشد المعتصمون لهدم الجدار إلا بعد أن بدأت زخات الرصاص تنهال عليهم، حيث أصبح هدم الجدار تحديا لمحاولة إلقاء القبض على القتلة الذين يمطرون مؤخرة الاعتصام برصاص بنادقهم وقناصاتهم.

عندما خرجت الرصاصة الأولى من بين أعمدة الدخان، لم يكن المصلون قد غادروا صفوف صلاة العصر، فقد كان المحتجون حينها يستعدون لترديد هتافاتهم المطالبة بـ«إسقاط النظام»، حيث قاطع أزيز الرصاص، الهتافات الثورية التي كان يرددها المعتصمون.

بدأ الشهداء والجرحى يتساقطون تباعا، وتضرجت بدمائهم الأماكن التي استقبلت قبيل لحظات جبهاتهم وهم ساجدين لله.

كانت العصابة التي نفذت الجريمة واثقة من عدم قدرة المعتصمين على اقتحام الجدار، المعزز بالخرسانة المسلحة، وبالتالي فقد كانوا يطلقون النار بدم بارد، لا تخيفهم إلا الكاميرات التي قد تلتقط صورا لهم، وقد أمنت أعمدة الدخان المتصاعدة مخاوفهم هذه.

كما أن منفذي الجريمة كانوا يعتقدون بأن إمعانهم في قنص المعتصمين سيؤدي إلى فرارهم، وتفرقهم بعيدا عن الجدار، غير أن اعتقادهم هذا كان خاطئا، فقد تجمهر المعتصمون خلف الجدار، باحثين عن منفذ له من أجل الوصول إلى القتلة.

وعندما شرع المعتصمون في هدم الجدار مستخدمين «الجنابي» وما توفر بأيديهم من أدوات صلبة، أدركوا مدى صلابته، غير أنه كلما سقط شهيد على ظهر الجدار، تصاعد إصرار المعتصمين على اجتياز الجدار بهدف الوصول إلى القتلة.

استمرت المجزرة لأكثر من ساعتين، تمكن المحتجون خلالها من فتح عدة ثغرات في الجدار، غير أن تجاوز هذه الثغرات كان أمرا في غاية المخاطرة، فكل من كان يطل برأسه من وراء الجدار يتم قنصه مباشرة، ونظرا لتدفق المحتجين العازمين على اجتياز الجدار، بدأت قوى القتلة تخور، وفي هذه اللحظات تدخلت قوات الأمن الأمن المركزي التي وصلت متأخرة إلى مسرح الجريمة، وقامت برش المحتجين بخراطيم المياه، لمنع اقتحامهم للضفة الأخرى من الجدار، ولتوفير غطاء لفرار القتلة بدلا من إلقاء القبض عليهم.

تمكن أغلب القتلة من الفرار، قبل أن يقتحم المحتجون الجدار، ومع هذا فقد تمكن المحتجون الذين اجتاحوا الجدار مع أذان صلاة العصر، من إلقاء القبض على عدد من القتلة، الذين لم يسعفهم الوقت للفرار.

محاضر التحقيقات

تفاصيل المشهد من الضفة الأخرى للجدار، لم يشاهدها إلا عدد من محدود من الشهود، ورغم أن محاضر التحقيقات مع بعض المتهمين والشهود الذين استجوبتهم النيابة العامة بخصوص القضية، قد كشفت بعضا من خفايا الضفة الأخرى للجدار، إلا أن الكثير من خفايا جمعة الكرامة لم تتكشف حتى الآن.

ألقى المحتجون القبض على عدد من المشاركين في الجريمة، واقتادوهم إلى معسكر الفرقة الأولى مدرع، التي قامت بتسليمهم إلى السجن الحربي، نظرا لعدم وجود أي صفة قانونية تخولها من احتجازهم، وبدوره قام السجن الحربي بإطلاق عدد منهم، لتصدر النيابة العامة فيما بعد أمرا بإلقاء القبض عليهم بوصفهم فارين من وجه العدالة.

لم تحقق النيابة العامة مع أبرز المتهمين في القضية، واقتصرت التحقيقات مع عدد محدود من المتهمين وبعض الشهود، من بينها قيادات أمنية، وظل الاطلاع على محاضر التحقيقات ممنوع لفترة، قبل أن تتسرب هذه التحقيقات لتكشف تفاصيل كثيرة مما تم في جمعة الكرامة.

ووفقا لمحاضر التحقيقات مع بعض المتهمين الذين تم إلقاء القبض عليهم، اتضح بأن بينهم جنودا وضباطا في قوات الأمن، ومن بينهم ضابط أمن كان يعمل كمخبر أمني في ساحة التغيير، وكشف خلال التحقيقات معه بأن ضباطا ومسئولين أمنيين كانوا متواجدين في مسرح الجريمة، وهو ما دفع النيابة العامة إلى استدعاء عدد منهم، ليكشفوا بدورهم عن تورط قادة آخرين، إلى أن وصل الأمر إلى رئيس عمليات الأمن المركزي العميد علي قرقر، ومن ورائه أركان قوات الأمن المركزي العميد يحيى محمد عبد الله صالح، وحينها صدر قرار رئاسي بإقالة النائب العام السابق عبد الله العلفي.

ومن بين الضباط الذين كانوا متواجدين في مسرح الجريمة، نائب مدير أمن المنطقة الغربية في صنعاء، ورئيس أركان الأمن المركزي بأمانة العاصمة، وعدد من ضباط الأمن السياسي، والأمن القومي، والأمن المركزي.

مدير أمن المنطقة الغربية

وعلى رأس من استجوبتهم النيابة العامة العقيد عبد الرحمن حنش، مدير أمن العاصمة، والمنطقة الغربية، حينها، حيث أكد خلال الاستماع لأقواله، بأنه أبلغ من قبل التحريات بوقوع المجرزة، وبأنها لا زالت مستمرة، وقال بأنه قام بإبلاغ وزارة الداخلية، مشيرا إلى أن وزير الداخلية السابق، مطهر رشاد المصري، رد عليه عندما أبلغه بالمجزرة بأنه يعرف بأمرها، دون أن يعطيه أي توجيهات بشأنها.

كما أكد حنش بأن تأمين تلك المنطقة كان يقع ضمن اختصاصات قوات الأمن المركزي، وذلك وفقا لمحضر اتفاق مسبق يحدد توزيع المهام بين الأمن العام والنجدة والأمن المركزي.

وأشار حنش إلى أن قوات مكافحة الشغب التابعة للأمن المركزي انسحبت مساء الخميس باتجاه جولة كنتاكي، وقال بأن السؤال عن سبب انسحابها يجب أن يوجه لوزير الداخلية ولقائد الأمن المركزي.

أهالي المنطقة

كما حققت النيابة العامة مع عدد من سكان المنطقة، الذين أفادوا بأن عناصر أمنية هي من قادت العملية ورتبت لها.

وقال عمار علي السريحي، وهو من سكان المنطقة، في محاضر النيابة بأن مصوران من قناة اليمن حضرا إلى منزله ظهر ذلك اليوم، قبيل المجزرة، وصعدا إلى منزله بعد أن أخبراه بأن قناة سهيل ستذيع خبرا كاذبا بأن قوات الأمن هي من ستطلق النار على المعتصمين، ولا بد من إثبات العكس وبأن مدنيين هم من سيطلقون النار عليهم، وفقا لما ورد في محاضر التحقيق.

توجيهات القائد

من جانبه كشف رئيس أركان الأمن المركزي بأمانة العاصمة، عبد العظيم الحيمي، عن تورط قيادة الأمن المركزي في المجزرة، حيث تعمدت قيادة الأمن المركزي إرسال قوة من قوات مكافحة الشغب إلى مسرح الجريمة أثناء المجزرة، جميعهم من المستجدين، وعندما تم الاعتراض عليهم كان الرد بأن هذه تعليمات القائد، وفقا لإفادة الحيمي.

وأضاف الحيمي بأنه أبلغ قائد الأمن المركزي اللواء عبد الملك الطيب، بما بالمجزرة أنثاء وقوعها، وكان رده «تمام» وأقفل الهاتف.

وأكد بأنه قام بالاتصال برئيس العمليات علي قرقر، يتساءل عن سبب إخراج مستجدين لاحتواء الموقف، وعن عدم تدخل قوات الأمن لحماية المعتصمين، وكان رد قرقر بأن هذه تعليمات القائد.

التحقيق مع المتهمين

كشفت محاضر التحقيق مع المتهمين عن وصول جماعات من المسلحين الملثمين إلى المنطقة، من بينها سيارتين بدون أرقام، حيث قال المتهم رقم 25 بأن سيارة فيتارا بدون رقم أقلت مسلحين بلباس أمن عام، ملثمين، وعادت بعد نصف ساعة وأقلت مسلحا ثالثا ملثما.

كما أفاد المتهم بوصول سيارة صالون أخرى بيضاء نوع مونيكا، أقلت مسلحين ملثمين، قاموا بإطلاق النار على سكان الحي عند اعتراضهم على إطلاق النار على المعتصمين.

المتهم رقم 31 أيضا أفاد بوصول سيارة صالون بيضاء أقلت 3 مسلحين، ورابطت بالقرب من منزل يحيى السريحي، فيما أفاد المتهم رقم 84 بأنه شاهد من نافذة منزله سيارة صالون بيضاء تهرب من مسرح الجريمة، وأفاد المتهم رقم 85 بأن سيارة بيضاء مونيكا أقلت المسلحين بجوار منزل السريحي، وكانت بدون أرقام.

وأفاد المتهم رقم 26 بأن المسلحين من منطقة الأكمة، بشارع هائل، والمجموعة الثانية من منطقة الكسارة بشارع الستين، والثالثة من منطقة القاع، وقال المتهم رقم 9 بأن أشخاصا غرباء كانوا يدخلون إلى المنطقة وهم ملثمين.

أما عاقل الحارة وهو المتهم رقم 23 فأفاد بأنه تم إحضار مسلحين ملثمين إلى المنطقة ولا يعلم من أحضرهم، وأشار المتهم رقم 1 بأن قائد المسلحين هو نجل محافظ المحويت، وكان برفقته أكثر من 20 مسلحا.

كما كشفت محاضر النيابة بأن وزير الداخلية السابق رفضت توجيهات النيابة العامة بضبط المتهمين في القضية.

يتبع..

قائمة المتهمين 1

المتهمين 2

المتهمين 3

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الثورات الشعبية