«مأرب برس» ينفرد بالكشف عن تفاصيل ما قبل تحليق المروحية، وفشل الهتار في إقناع صالح بالعدول عن تفنيذ خطته

الأحد 18 مارس - آذار 2012 الساعة 10 مساءً / مأرب برس/ عمر العمقي*
عدد القراءات 27873
 
  

ثلاث ساعات من الرصاص المنحدر صوب جماجم وأفئدة خيرة شباب اليمن ورجالاتها، وصفه علي صالح بأنه شيء مؤسف.

وقال بعد ساعات من انتهاء قناصته من أفراغ ما في جعبتهم «إن المعتصمين يتمددون يومياً، وكل يوم يقتحمون شوارع جديدة لنصب خيامهم، اليوم لم تكن الشرطة موجودة، ونحمد الله أنها كانت من المواطنين السكان أنفسهم مع المسلحين الذين داخل المخيمات».

ويكشف «مأرب برس» في الجزء الأول من هذا التحقيق الاستقصائي تفاصيل أهم الأحداث والاستعدادات التي تمت عقب الانتهاء من أداء صلاة جمعة الصمود إلى حين تحليق الطائرة العمودية فوق ساحة التغيير بصنعاء في يوم جمعة الكرامة.

مداولات العليمي وبورجي

«بالكاد تمكن الدكتور رشاد العليمي وعبده بورجي من التوصل لخطة تنال موافقة الرئيس وتريح باله»، بهذه العبارة اختزل أحد كبار موظفي رئاسة الجمهورية تلك المداولات والنقاشات التي أجراها صالح مع العليمي وبورجي خلال النصف الأول من شهر مارس 2011م، والتي تمخضت عنها مجزرة جمعة الكرامة.

قبل أحداث تلك الجمعة كان أنصار صالح ينفذون تلك المخططات البدائية لـ عارف الزوكا ونعمان وحافظ معياد، لكنها لم تحل دون توسع وتمدد ساحة التغيير، التي كانت تقض مضجع الحاكم.

«اتبعوني إذا حل سوى» قالها صالح بصوت عال، مخاطبا العلمي وبورجي.

يتلقى الراوي مكالمة هاتفية, فتعود بي الذاكرة إلى تلك العشر الوسطى من شهر مارس من العام 2011م، والتي كانت دموية بشكل لم يعتد عليه اليمنيون من قبل.

حيث لم تنحصر اعتداءات العشر الوسطى من مارس على شباب الثورة في العاصمة صنعاء بل امتدت إلى مدن عدة منها عدن وتعز والمكلا والحديدة ومأرب وذمار سقط خلالها العديد من الشهداء وأكثر من ألفا جريح ومصاب.

فعند الركعة الثانية من صلاة فجر يوم السبت 12 مارس 2011م تعرضت ساحة التغيير لاعتداء من قبل قوات الآمن وبمساندة من مسلحين مدنيين من الجهة الجنوبية للساحة جولة سيتي مارت، وفي اليوم التالي الأحد 13 مارس وأثناء أداء المعتصمين لصلاة الظهر قامت مجاميع مسلحة بالاعتداء على ساحة التغيير من جهة شارع العدل في حين اعتلى بعض تلك العناصر أسطح المنازل المطلة على الشارع.

وكذلك كررت القوات الأمنية والمسلحون المدنيون اعتداءاتهم على ساحة التغيير بصنعاء خلال يومي الأربعاء والخميس 16 و 17 مارس 2011م، وكادت أن تصنع ذلك في الساعات الأولى لفجر يوم الأثنين 14 مارس لكنها تراجعت رغم قيامها بمحاصرة الساحة من جميع الجهات.

غضب رئاسي

بعد أن أنهى الراوي مكالمته سألته فأجاب: «ما كان يغضب الرئيس هو توسع الساحة وتزايد إعداد المعتصمين».

كيف؟.. «في جمعة الصمود 11 مارس2011، اتسعت مساحة الاعتصام بشكل كبير حيث امتدت من جولة السنباني – الفرقة – شمالاً وحتى جولة سيتي مارت جنوباً, بالإضافة إلى تمددها في شوارع العدل والحرية وبداية شارع الزراعة».

في الأيام الأولى للثورة, كانت الجمعة هي الفرصة الوحيدة لتمدد وتوسع ساحة التغيير, حيث كان رجال الأمن والمسلحون المدنيون يمنعون دخول الخيام إلى الساحة فيلجأ المنضمون للثورة في ذلك اليوم إلى نصب خيامهم التي كان يرفض رجال الأمن دخولها.

يقول المسئول بالقصر الجمهوري: «ومن أجل الحد من ذلك التوسع اقترح رشاد العليمي وعبده بورجي أن يتم مهاجمة الساحة في يوم جمعة 18 مارس والذي من شأنه منع المعتصمين من التوسع بالإضافة إلى إرعاب المحتجين».

كانت الخطة في يومها الأول بهذه البساطة لكنها سرعان ما تطورت وتم حبكها من قبل القيادات التنفيذية للجريمة.

سألت الراوي فأجاب: «لم يحن الوقت بعد لكي أكشف عن شخصيتي وما في جعبتي من أسرار, ولعل الأشهر القادمة كفيلة بذلك».

جمعة الصمود

عقب الانتهاء من صلاة جمعة الصمود في 11 مارس, نصب المعتصمون خيامهم التي وصلت إلى جولة سيتي مارت وهو ما أغاض الحاكم الذي بعث بقواته الأمنية وبلاطجته للاعتداء على المعتصمين وهم يؤدون صلاة فجر يوم السبت 12 مارس.

وبسقوط الشهيد عبد الله دحان, قام شباب الثورة بتوسيع رقعة احتجاجاتهم كردة فعل لمقتل رفيق نضالهم الثوري, فوصلت خيامهم صبيحة ذلك اليوم إلى جولة المركز الإيراني.

يقول أحد الضباط المشاركين في عملية الاقتحام لقد تفاجأت فعلاً من بسالة الشباب وتضحياتهم كنا نعتقد بأننا سنتمكن من السيطرة على الجولة وإعادة الخيام إلى أماكنها السابقة لكنهم أجبرونا على التراجع إلى ما بعد جولة المركز الطبي الإيراني.

زامل بأصوات تعزية

نهار الاثنين 14 مارس، كانت تتأهب قوات أمنية ومجاميع مسلحة بلابس مدني لاقتحام ساحة التغيير من كل الجهات والمنافذ الرئيسية للساحة، وكان من في دار الرئاسة قد انتهى من تشكيل وتسمية قيادة الفرق الخمس الميدانية لتنفيذ المخطط الذي أعده العليمي وبورجي، حيث أنيط بوزير الداخلية السابق مطهر رشاد المصري رئاسة اللجنة الأمنية، فيما تولى علي صعترة ومنصور الذيب قيادة المسلحين، وكانت مهمة تشكيل اللجان الشعبية من نصيب الدكتور عبد الله فروان وعبد الرحمن الكحلاني، وأسندت مهمة إدارة العملية ميدانياً للجنرال غازي أحمد الأحول وشقيقه علي الأحوال، فيما كانت اللجنة الإعلامية تحت إدارة عبده بورجي.

باشرت تلك الفرق أعمالها بعد ساعات من ذلك الفشل الذريع الذي حل بالقوات الأمنية والمسلحين المدنيين الذين قاموا بمحاصرة الساحة من كل المنافذ الرئيسية بما فيها جامعة صنعاء التي قاموا بالدخول إليها عبر البوابة الجنوبية لكنهم لم يتمكنوا من التقدم إلى الأمام خطوة واحدة.

جيداً.. تذكر تفاصيل تلك اللحظات العصيبة التي مر بها شباب الثورة خصوصاً بعد أن اعتلى منصة ساحة التغيير الدكتور عبد الرقيب عباد وبدأ يتحدث عن رائحة الجنة التي أقسم بأنه يشتم رائحتها، وبصنيعه كان يعتقد بأنه سيرفع من المعنويات الثورية ولكنه للأسف دفع بالرعب إلى أفئدة شباب الثورة الذين ما برحوا من خيامهم إلا بعد أن بثت مكبرات الصوت الأغاني الوطنية للفنان أيوب طارش.

وما هي إلا لحظات واستعاد الشباب معنوياتهم المسلوبة ومن ثم قاموا مع شباب عمران الملتحمين للتو بساحة التغيير، قاموا بترديد ذلك الزامل الذي انتهى من نظمه أحد الشعراء الشعبيين.

ذلك الزامل الذي قام بأدائه شباب المدن ومع أن أغلبهم كانت هي المرة الأولى في حياته التي يقوم فيها بأداء هذا الفن الشعبي، إلا أنهم تمكنوا بأصواتهم الجهورية من إرعاب القوات الأمنية والبلاطجة المحاصرين للساحة.

بلغ السفاح وكل البلاطج من يريد الموت يهجم علينا

من دخل والله ما هو بخارج نحرقه بالنار قده عشانا

الأحول

في صباح يوم الثلاثاء 15 مارس أصدر علي صالح قرار جمهورياً بتعيين غازي أحمد الأحول مديرا لأمن محافظة عدن وهو ما دفع الرجل لتنفيذ الخطة الموكلة إليه بحماس ودقة.

«نشتي عمل يبيض بالوجه عند الفندم»، قالها غازي مخاطباً شقيقه علي الأحول الذي من فرط حماسته احتل المرتبة الأولى في قرار اتهام النيابة العامة فيما حل غازي ثانياً في قائمة الـ 79 متهما.

قام الدكتور فروان بتشكيل اللجان الشعبية – العصابات – وتكفل خالد شوتر بقيادة عصابة حي السنينة وتولي صالح المراني بتجميع وتشكيل عصابة الأكمة, وأنيطت بشخص مجهول مهمة تشكيل عصابة حي القاع.

العمري والمصري.. شتان

ببسالة استمر صالح علي العمري في التصدي لاعتداءات القوات الأمنية والبلاطجة خلال يومي الأربعاء والخميس 16 و 17 مارس.

كان العمري يقاوم الاعتداءات والنوم معاً، فالنوم لا يزال يطارده على مدى الـ 48 ساعة التي استغلها لحماية الساحة ونقل المصابين.

يأتي ذلك في الوقت الذي تنصل فيه وزير الداخلية المصري عن مهامه الأمنية التي دفعت صالح العمري للسهر ليومين متتاليين لذود قوات الأمن والبلاطجة عن المعتصمين، فالوزير مشغول حينها بإصدار توجيهاته الأمنية بتعزيز الحراسات حول مبنى قناة اليمن الفضائية ومبنى اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر.

كما قام المصري بتوجيه قيادة الأمن المركزي بتنفيذ الخطة المتفق عليها والتي تنص على انسحاب قوات مكافحة الشغب من موقعها خلف الجدار الفاصل بين ساحة التغيير والحي الذي يقطن فيه منزل محافظ المحويت, وانسحابها إلى جولة كنتاكي.

كما أصدر المصري توجيهاته إلى إدارة أمن العاصمة بعدم التدخل فيما يحدث في حي الجامعة خلال يوم الجمعة 18 مارس 2011م.

يقول مدير أمن العاصمة العميد عبد الرحمن حنش «وجهنا الوزير المصري بعدم التدخل بدعوي أن تلك المنطقة خاضعة لاختصاص قوات الأمن المركزي».

لم تنحصر مهمة اللجنة التي يديرها الوزير المصري على ذلك بل امتدت نحو التوجيه بتكليف الجنود المستجدين من الأمن المركزي بالنزول الميداني إلى الحي الذي يقطنه الأحول ويحملون معهم الأعصى الخشبية.

عدسة النمري

كان الزميل سمير النمري مصور قناة الجزيرة يقوم بتصوير الاعتداءات التي تعرضت لها ساحة التغيير في فجر يوم الخميس 17 مارس من جهة شارع العدل وبعد فترة وجيزة وصل المصورين بقناة اليمن وسبأ والتوجيه المعنوي لتنفيذ خطة عبده بورجي، وذلك عبر تصوير وأجراء لقاءات مع من وصفوهم بسكان الحي المتضررين من الاعتصام.

وظلت قناتا اليمن وقناة سبأ على مدى يوم الأربعاء والخميس تنقلان تصريحات لأنصار صالح المطالبين ببقائه والتي تدعي تضررها من الاعتصام.

واستمرت تلك الحملة التحريضية على المعتصمين على مدي يومي الأربعاء والخميس.

البلك

«الآن يشتروا العيال البلك ويجيبوهن لعندك»، قالها فروان مخاطباً عاقل حارة الغدير عقيل البنوي، والذي تولى في يوم الخميس ليلاً بناية الجدار وانتهى من عملية بنائه صباح جمعة الكرامة .

وفي الساعات الأولى من ليل الخميس تعرضت ساحة التغيير بصنعاء لهجوم مباغت من مسلحين مدنيين من جهة شارع العدل.

يأتي ذلك في الوقت الذي قام فيه علي الأحول بشراء الإطارات والسلاسل الحديدة والازفلت، فيما قام عبدالجليل السنباني بشراء البنزين والتينار.

حينها كان يحاول القاضي حمود الهتار، والذي استقال مطلع ذلك الأسبوع من منصبه كوزير للأوقاف، تشكيل لوبي ضغط على النظام لعدم تنفيذ ذلك المخطط الإجرامي الذي كان يجهل أدق تفاصيله، لكنه سمع عن نية مبيتة لاقتحام ساحة التغيير.

في تلك الليلة تزايد عدد الوافدين إلى الخيمة المنصوبة قبالة منزل الأحول، وكانت بنادقهم المتدلية على أكتافهم تثير قلق الآخرين.

وكذلك الحال للسيارات التي كان يتنقل عليها علي صعترة ومنصور الذيب وكليهما من الحراسة الشخصية لـ علي صالح غير أن الذيب سبق وأن أحاله صالح إلى التقاعد الإلزامي بعد وشاية تعرض لها الرجل قبل عدة سنوات، قبل أن تعيده أحداث جمعة الكرامة إلى البلاط الرئاسي.

مباني القناصة

تأتي تلك الأحداث في الوقت الذي دعا فيه عدد من الصحفيين والناشطين في المراكز الإعلامية للاحتشاد لجمعة الإنذار، وكانت تسمية الجمع السابقة تأتي عبر هذه المراكز، غير أن مباشرة اللجنة التنظيمية لمهامه من ذلك الحين كان هو السبب وراء تغيير اسم الجمعة إلى جمعة الكرامة، فيما أطلقت قوى أنصار صالح على جمعتها بـ الإخاء والوفاق.

وفي ساعة مبكرة من ليلة الجمعة انسحبت قوات مكافحة الشغب من منطقة التماس إلى جولة كنتاكي وذلك على إثر التعليمات الصادرة من العميد علي قرقر، رئيس العمليات بالأمن المركزي.

وحينئذ كانت المباني السكنية التي ستنفذ من خلالها عمليات قنص شباب الثورة قد تم الاتفاق مع ملاكها على استئجارها بمبالغ مغرية.

لم يكن من السهل التوصل إلى اتفاق مع مالكي جميع المباني السكنية التي اختارتها اللجان التي يتولى رئاستها فروان والأحول، فـ بالكاد تسنى لها أقناع عزالدين النهمي ولطف مهدي وعلي هادي وأحمد سالم الوصابي وعبدالله محمد علي ناصر، إضافة إلي منزل محافظ المحويت وأولاده.

كان سيناريو الجريمة يتضمن ما يربو عن14عمارة موزعة على مختلف أنحاء الساحة بحيث يكتب للخطة النجاح وتحضى الرواية التي سيتهم من خلالها سكان الأحياء بالقبول من العامة، لكن بقية ملاك العمائر المستهدفة رفضوا ذلك.

ولتعزيز تلك الرواية في قلوب العامة قامت مجاميع مسلحة في يوم الأحد 13مارس بالصعود إلى عدد من المباني السكنية المطلة على شارع العدل والاعتداء على شباب الثورة منها.

حميد الأحمر

يبدو أن أكثر ما أغاض صالح من التوسع الأخير للساحة والذي وصل إلي جولة المركز الإيراني هو التحام شباب عمران بساحة التغيير بصنعاء وقيامهم بنصب خيامهم في المنطقة المستحدثة والواقعة مابين جولة سيتي مارت وجولة المركز الإيراني.

يعتقد أحد ضباط المخابرات بأن حساسية علي صالح من حميد الأحمر هي ما دفعته لتدبير وتنفيذ هذه المجزرة البشعة، فالرئيس يرى بأن حميد أشد خصومه السياسيين، ويعتقد بأن انضمام شباب عمران جاء بتوجيه منه، ولذلك أشار الإعلام الموالى لصالح بأصابع الاتهام إلى حميد الأحمر بذريعة قنص الشباب من الخلف.

طائرة هيلوكبتر

صباح جمعة الكرامة الثامن عشر من مارس2011م، كان إبراهيم الذيفاني يثير حماسة شباب ساحة التغيير بشعاراته الثورية، وفي الوقت ذاته كان عبدالجليل السنباني عضو المجلس المحلي لمديرية معين يقوم بتحريض سكان حي الدائري وهو على متن سيارة تحمل مكبرات الصوت: «يا سكان الحارة .. الرئيس معكم واحنا معكم، لا تخافوا قعوا رجال واخرجوا دافعوا عن حارتكم من المعتصمين». قالها السنباني بحماس.

حينها كان القاضي حمود الهتار قد توجه إلي المسجد الواقع بقرب مسكنه، وطلب من خطيب الجمعة اختصار زمن الخطبة.

وبعد خروجه من صلاة الجمعة اتصل القاضي الهتار بدار الرئاسة عله يتمكن من أقناع صالح بالتخلي عن مخططه، أجابه موظف التحويله: «الرئيس خارج».

يفتح الهتار شاشة التلفاز وإذا بطائرة عمودية هيلوكبتر تحوم فوق ساحة التغيير بصنعاء، والمعتصمين يصرخون بصوت عال «أرحل.. ارحل»..

بقية القصة في الجزء الثاني من التحقيق..

Omar777792659@hotmail.com

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الثورات الشعبية