اعتراف صالح، وانهيار نظامه في ذروة عنفوان الثورة السلمية عقب جمعة الكرامة

الإثنين 19 مارس - آذار 2012 الساعة 08 مساءً / مأرب برس/ خاص
عدد القراءات 12546
  

لم تعرف صنعاء جمعة كـ«جمعة الكرامة»، فقد أشرقت شمس ذلك اليوم (18 مارس 2011)، متوارية خلف طبقات من الغيوم التي غطت سماء صنعاء، استعدادا لاستقبال أرواح العشرات من الشهداء، الذين ارتوت بدمائهم ساحة التغيير، ووصلت بتضحياتهم ثورة الشباب السلمية إلى أوج عنفوانها الثوري.

تغلغلت المشاهد الدموية لتلك المجزرة بكل تفاصيلها في الذاكرة الجمعية لليمنيين، الذين يحيون ذكراها السنوية الأولى، في مختلف ساحات الثورة بالمحافظات اليمنية، مجددين عهدهم للشهداء بمحاكمة القتلة.

ويرصد «مأرب برس» تفاصيل تلك المجزرة وبعضا من خفاياها عبر سلسلة من التقارير، بدأت بالحلقة الأولى، المخصصة لرصد تفاصيل الترتيبات التي تمت قبيل المجزرة، فيما تناولت الحقلة الثانية تفاصيل وبعضا من خفايا، ما جرى يوم المجزرة، بالإضافة بعض ما ورد في محاضر التحقيقات، وتتناول الحلقة الأخيرة، تداعيات وردود الأفعال التي تلت المجزرة.

تدفق الأمهات

استمرت المجزرة لأكثر من ساعتين، تابعت خلالها جميع وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، تطورات المجزرة لحظة بلحظة، في الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام الحكومي اليمني، منشغلة ببث أغاني خاصة بتمجيد الزعيم الأوحد، قبل أن تتبنه متأخرة إلى ضرورة متابعة الحدث، من خلال نشر أخبار مضللة، ألقت من خلالها بالتهمة مباشرة إلى سكان الأحياء المجاورة لساحة التغيير.

منذ الوهلة الأولى أصيب الشارع اليمني بحالة من الذهول، وتدفقت إلى ساحة التغيير بصنعاء جموع من المحتجين الذين شعروا بضرورة تواجدهم في الساحة، بالإضافة إلى تدفق العشرات من الأمهات، والأباء الذين أتوا إلى الساحة بحثا عن أبنائهم.

وكان مشهد الأمهات الباحثات عن أبنائهن على أبواب المستشفى الميداني بالساحة، مؤثرا، وعجزت عدد من الأمهات عن معرفة مصير أبنائهن، بسبب حالة الإرباك التي أصيب بها المستشفى الميداني، وظلت العشرات من الامهات مستمرات في البحن عن أبنائهن، خصوصا وأن اتصالات الهاتف النقال كانت مقطوعة بشكل جزئي عن ساحة التغيير، جراء وجود بعض أجهزة التشويش التي تم وضعها في منطقة الحدث قبيل المجزرة.

مع أذان صلاة العصر، كان شباب الثورة قد أنهوا تحطيم الجدار، وألقوا القبض على عدد من القناصة، واقتحموا منزل محافظ المحويت، الذي كان أحد المنازل التي تمركز فيها المسلحون.

إعلان حالة الطوارئ

عقب المجزرة، أدرك نظام صالح خطورة الوضع، فبدأت عقب المجزرة مباشرة قوات الأمن تنتشر بمصفحاتها في مختلف شوارع العاصمة، وتتمركز في جميع الشوارع المؤدية إلى ساحة التغيير، وعلى رأسها جولة «كنتاكي»، في تقاطع شارعي الزبيري، على امتداد ساحة التغيير في الخط الدائري الغربي، تحسبا من أي توسع للساحة إلى تلك المنطقة.

بدأ هذا الانتشار الأمني قبل أن يطل صالح في مؤتمر صحفي له بدار الرئاسة، مساء يوم المجزرة، ليلعن حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، موجها التهمة بشكل صريح إلى سكان الأحياء المجاورة للساحة، بهدف إخلاء ساحته من التهمة.

وسرعان ما أصدرت وزارة الداخلية تعميما إلى جميع الأجهزة الأمنية برفع اليقضة الأمنية، وتشديد التدابير الأمنية حول المرافق العامة والمنشآت الحكومية.

وكان إعلان حالة الطوارئ هذا، إجراءا احترازيا من قبل النظام لتفادي أي تصعيد ثوري قد يحدث كرد فعل على المجزرة.

وخلال ذات المؤتمر الصحفي عبر صالح عن أسفه الشديد لما حدث، وقال بأن هذه الحادثة أجهضت مساعي أجرتها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي, خلال الأيام الماضية, لإجراء وساطة لرأب الصدع بين أطراف العمل السياسي، مؤكدا على توجيهاته التي قال بأنه قد أصدرها منذ وقت مبكر لكافة الأجهزة الأمنية بحماية المسيرات والاعتصامات، غير مدرك بأن تأكيده هذا يعترف بتورطه في المجزرة بشكل أو بآخر، حتى لو كانت بفعل مسلحين من سكان الأحياء، نظرا لعدم حماية الأجهزة الأمنية للمعتصمين، وفقا لتوجيهاته.

ورغم توجيه اتهامه مباشرة لسكان الأحياء المجاورة للساحة، عاد صالح خلال مؤتمره الصحفي ذاك ليتهم المعتصمين بإزعاج السكان، وإعاقة حركتهم بسبب الاعتصام.

الإعلام الرسمي

وفي الوقت الذي كانت فيه جميع وسائل الإعلام المحلية والخارجية، تنشر تفاصيل المجزرة، نشرت قناة اليمن الرسمية، خبرا منسوبا لوكالة الأنباء اليمنية سبأ، يفيد بأن ما جرى في ساحة التغيير كان نتيجة اشتباكات بين المعتصمين وبين سكان الأحياء المجاورة للساحة.

كان الخبر مضللا، ومنسوبا إلى وكالة الأنباء اليمنية سبأ، التي كان يترأسها يومها نصر طه مصطفى، قبل أن يقدم استقالته احتجاجا على تلك المجزرة، عقب اتصال هاتفي أجراه رئيس الوكالة بقناة اليمن يحتج فيه على نسب الخبر إلى الوكالة رغم عدم صدوره عنها، قامت قناة اليمن بإعادة نشر الخبر دون نسبته إلى الوكالة.

ونظرا للأخبار المضللة التي عمد الإعلام الرسمي على نشرها أثناء تغطيته لأنباء المجزرة، أعلن الصحفيون العاملون في عدد من المؤسسات الرسمية انضمامهم إلى الثورة، وبراءتهم من التضليل الذي تنشره وسائلهم الإعلام، وعلى رأس هؤلاء الإعلاميين المنضمين إلى الثورة، صحفيو وكالة الأنباء اليمنية سبأ، ورئيسها الذي أعلن استقالته من منصبه، وصحفيو صحيفة الثورة الرسمية، ورئيس قطاع التلفزيون، وقناتي اليمن الفضائية والأولى، حسين باسليم، الذي أعلن استقالته من منصبه.

وانضم إلى قائمة المستقيلين من مناصبهم في وسائل الإعلام الرسمية، عدد كبير من الصحفيين، كان من أهمهم رئيس مجلس إدارة مؤسسة الجمهورية في تعز، سمير اليوسفي، الذي كتب افتتاحية الجمهورية عقب المجزرة محملا نظام صالح المسؤولية الكاملة عن المجزرة.

ردود الأفعال الخارجية

ورغم أن الإعلام الرسمي، والرئيس صالح، يومها، قد ألقوا بالتهمة مباشرة على سكان الأحياء المجاورة لساحة التغيير، إلا أن المجمتع الدولي لم يقتنع بتلك التبريرات الواهية، فمنذ عصر ذلك اليوم، بدأت ردود الأفعال الداخلية والخارجية تتوالى تباعا، محملة نظام صالح مسؤولية ما حدث، كما توالت خلال اليومين التاليين الاستقالات الجماعية من الحزب الحاكم، ومن مناصب حكومية عليا.

فعلى المستوى الخارجي، كانت دولة قطر أول دولة تعلن إدانتها للمجزرة، حيث عبرت عن أسفها لسقوط مدنيين جراء ما وصفته بالاستخدام المفرط للقوة من قبل السلطات اليمنية.

وسرعان ما توالت بعدها الإدانات الدولية للمجزرة في ذات اليوم، حيث عبر الرئيس الإميركي، باراك أوباما عن إدانته بشدة لما جرى في اليمن، ودعا صالح إلى الالتزام بتعهده بالسماح للمظاهرات السلمية، مؤكدا بأنه لا بد من محاسبة المسؤولين عن تلك المجزرة.

فيما عبرت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلنتون، عن انزعاجها جراء ما حدث في اليمن، ودعت الحكومة اليمنية إلى وقف فوري للعنف.

الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، كذلك عبر عن إدانته لما وصفه بـ«القوة القاتلة المستخدمة ضد المتظاهرين في اليمن»، مذكرا الحكومة اليمنية بواجبها في حماية المدنيين.

كما عبرت الخارجية الفرنسية في بيان لها في ذات اليوم، عن أصفها وإدانتها بقوة لما وصفته بـ«الهجمات المميتة التي تعرض لها المتظاهرون»، مؤكدة على أنه يجب على الحكومة اليمنية وقف الهجمات التي يتعرض لها أشخاص خرجوا للتعبير عن حقهم في التظاهر سلميا.

فيما عبرت الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، عن إدانتها لاستخدام العنف ضد المتظاهرين في اليمن، وطالبت بوقف فوري وعاجل للعنف، وقالت: لقد أفزعتني التقارير الواردة اليوم من اليمن، ودعت صالح إلى احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية بشكل كامل والالتزام بحماية الاحتجاجات السلمية كما أعلن في العاشر من شهر مارس، أي قبل المجزرة بعشرة أيام.

ردود الأفعال المحلية

تنوعت ردود الأفعال المحلية المنددة بالمجزرة، وصدرت عشرات البيانات المنددة، فيما قدم العشرات من رجال الدولة استقالتهم من مناصبهم، والمئات قواعد وقادة الحزب الحاكم استقالتهم منه، فضلا عن إعلان العديد من المشايخ وكبار قادة الجيش انضمامهم للثورة.

حيث دعا تكتل أحزاب اللقاء المشترك، يومها، المجتمع الدولي إلى تحرك يحمي المدنيين في اليمن، متهما صالح وأولاده وأولاد أخيه بالوقوف وراء المجزرة، التي وصفها بـ«الجريمة ضد الإنسانية».

الحزب الحاكم، يومها، أعلن إدانته للمجزرة، ولكنه اتهم سكان الأحياء المجاورة لساحة التغيير بارتكاب المجزرة، محملا أحزاب المشترك مسؤولية ما وصفه بـ«تهييج الشارع».

وفي ذات يوم المجزرة، كان وزير الثقافة الأسبق، عبد الوهاب الروحاني، أول من أعلن استقالته من الحزب الحاكم، والانضمام إلى ساحة التغيير، وقال حينها: لم يعد يشرفني الانتماء إلى حزب يرتكب الجرائم بحق الأبرياء.

كما أصدرت عدد من الائتلافات الثورية، والمنظمات الحقوقية، بيانات عدة تدعو مجلس الأمن الدولي إلى التدخل لإنهاء ما وصفته بـ«جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المعتصمون السلميون»، فيما نعت نقابة الصحفيين اليمنيين الصحفي جمال الشرعبي، الذي سقط ضمن الشهداء، محملة السلطات كامل المسؤولية، عن هذه المجزرة الدموية التي تعرض لها المعتصمون في ساحة التغيير.

مؤتمر قبائل بكيل، وتحالف قبائل مأرب والجوف، كانت من أوائل الكيانات القبلية التي أدانت المجزرة، التي اعتبرتها أبشع مجزرة مأساوية في تاريخ اليمن المعاصر، كما وصف رئيس هيئة علماء اليمن، الشيخ عبد المجيد الزنداني ما حدث بـ«المجزرة البشعة بحق المعتصمين»، وقال بأن الوضع وصل إلى حد خطير.

وعلى المستوى الفردي، في ذات يوم المجزرة، قال القيادي في المشترك، حميد الأحمر بأن صالح قد حكم على نفسه وعلى أسرته بأن يخرجوا أذلاء مطاردين، مؤكدا بأن دماء الشهداء لن تضيع، وبأن على من تبقى بجانب القاتل أن يحددوا مواقفهم ما لم فهم شركاء في جرائمه.

عبد الملك الحوثي أيضا أصدر بيانا وصف فيه ما حدث بـ«المجزرة المؤسفة»، مؤكدا بأن الدماء التي سالت في ساحة التغيير نهاية حكم صالح وبداية فجر جديد.

أما على المستوى الثوري فقد خرجت عدد من المسيرات المنددة بالمجزرة، كانت أولها مسيرة نظمها شباب الثورة في مدينة عدن، مساء يوم المجزرة، وتوالت المسيرات المنددة في مختلف محافظات الجمهورية، حيث طالب المتظاهرون بمحاكمة صالح وأفراد عائلته، الذين حملوهم كامل المسؤولية فيما تعرض له المعتصمون في ساحة التغيير بصنعاء.

كما نظم المغتربون اليمنيون في عدد من الدول العربية والأروبية والولايات المتحدة الأميركية وقفات احتجاجية طالبوا فيها بمحاكمة صالح وعائلته، معلنين تضامنهمم الكامل مع شباب الثورة في الداخل.

الاستقالات الجماعية

واحتجاجا على ما تعرض له المعتصمون، أعلن وزير الثقافة، نبيل الفقيه، ووزيرة حقوق الإنسان، هدى البان، استقالتهما من الحكومة، غير أن وزيرة حقوق الإنسان لم تعلن استقالتها حتى أصدرت بيانا رسميا باسم وزارة حقوق الإنسان أكدت فيه تورط نظام صالح في المجزرة، وكان ذلك البيان من أقوى البيانات التي كان لها صدى كبير.

ولم يتوقف نزيف الاستقالات الجماعية من الحزب الحاكم والمناصب الحكومية، والمناصب الدبلوماسية في السفارات اليمنية في الخارج، لأسابيع عدة عقب المجزرة.

وخوفا من أن يعلن مزيد من الوزراء استقالتهم من الحكومة، أعلن صالح بعد يومين من المجزرة، إقالة الحكومة وتكليفها بتصريف الأعمال.

وخلال اليومين التاليين للمجزرة، أعلن عدد من القادة العسكريون ومشايخ القبائل انضمامهم لساحة التغيير، وفي يوم الاثنين الأول بعد مجزرة الكرامة، أعلن اللواء علي محسن صالح الأحمر انضمامه وتأييده السلمي للثورة، كما أعلن قائد المنطقة العسكرية الشرقية، محمد علي محسن انضمامه للثورة، وعدد آخر من كبار ضباط وقادة الجيش اليمني.

وبدت الثورة عقب تأييد كبار قادة الجيش لها، واستقالة المئات من الحكومة والحزب الحاكم، في ذروة عنفوانها، عقب المجزرة، وأدرك صالح بأن موازين القوى قد تغيرت، ولم تعد في صالحه.

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الثورات الشعبية