باتريشيا الويلزية تبحث عن ماضيها.. في اليمن

الأربعاء 15 فبراير-شباط 2006 الساعة 04 مساءً / مأرب برس
عدد القراءات 5717

كان اكتشاف غطاء تقليدي من ويلز في قصر يمني يقع في الصحراء، سببا وراء قيام المصورة باتريشيا ايثي، بزيارة شديدة التميز عبر جنوب الجزيرة العربية النائي لاسترجاع الماضي المفقود لذلك البلد وماضيها أيضاكانت السفن البخارية الخاصة بالإمبراطورية البريطانية، تحمل الفحم الحجري من جنوب ويلز، مستخدمة الميناء الاستراتيجي لعدن الواقع على الساحل الجنوبي لليمن، باعتباره مخبأ للفحم الحجري لتغذية الإمبراطورية بالوقود. وهكذا تحول مئات من اليمنيين القادمين من قرى معزولة إلى وقَّادين يعملون في ظروف تعيسة جدا وسط حرارة أتون جارفة داخل قمرات ماكينات السفن، كي يرسلوا النقود إلى أسرهم. وعاش الكثير من هؤلاء الرجال في بريطانيا، وغالبا في كاردف عاصمة ويلز، واستأجروا مساكنهم في حي بتيتتاون بمنطقة تايغر باي، حيث توجد اليوم أقدم جالية عربية في المملكة المتحدة. وتزوج بعض اليمنيين من فتيات ويلزيات، والكثير منهم ما زالوا يعيشون اليوم في المدينة. كانت باتريشيا مصممة على القبض على هذا التاريخ المتواري، بينما ما زال يعيش في الذاكرة. وما تحقق من نتيجة كان مثارا للإعجاب، حيث ظهر في شكل كتاب جاء في الوقت المناسب. وما تميز به هو البحث الجيد الذي تضمنه مع الصور الجميلة بالأسود والأبيض، وكل ذلك كشف عن أواصر غير متوقعة بين هاتين الحضارتين المختلفتين.

تتبعت باتريشيا وزوجها المصور تشارلس، العرب المسافرين في السفن من الجالية اليمنية من تايغر باي في كاردف إلى «ستيمر بوينت» في عدن، وكانا يتساءلان عن احتمال وجود أي شخص من ميناء الإمبراطورية البريطانية السابق يتذكر كاردف، وكانت النتائج مثيرة للاستغراب حقا.

وللوصول إلى عدن مر الزوجان بسلسلة مريرة من البيروقراطية باعتبارهما شخصين مثيرين للشبهات، ثم تنقلا لمئات الأميال على طرق بائسة جدا تمر عبر سلاسل جبلية وصحارى ووسط حرارة شديدة ومعمار يمني مثير للدهشة، وهذا يتضمن الأطلال التي يسود اعتقاد بأنها قصر الملكة شيبا (الملكة بلقيس حسب القصة المذكورة في القرآن)، وقد واجها قدرا من الفضول لأن البريطانيين لم يصلوا إلى هذه المناطق إضافة إلى ضيافة رائعة (في اليمن لا يتعشى المرء بطريقة متقشفة)، لكنهما قررا عدم المشاركة في علك القات اليومي.

وكانا في الريف حيث هناك الكثير من العناصر المنتمية إلى ما قبل الإسلام، وهناك تتعايش الجِمال مع السيارات باعتبارها جميعا وسائل من وسائل النقل، وحيث الخنجر المعروف باسم «الجنبية» يعتبر رمزا للموقع الاجتماعي. كذلك واجها عواصف رملية ونزاعات قبلية مع مواجهات بالبنادق، وكان النكوص بالسيارة إلى الطريق الذي جاءا منه، هو أفضل هروب يحققه لهما سائق السيارة ناجي.

لكن باتريشيا ذهلت أيضا للتماثل القائم ما بين الثقافتين الويلزية واليمنية، ابتداء من العلاقات الوطيدة القائمة بين الناس، إلى صفوف البيوت المبنية بالآجر الطيني، ومرورا بحب الأمثال والأشعار.

وأخيرا يأتي الوصول إلى عدن، وكتبت باتريشيا «يبدو كل مكان أليفا، وهذا شيء حول المكان الذي أشم منه رائحة طفولتي في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي من حيث المعمار وكتابة الإشارات والشعور بالنظام موجود في كل مكان».وتعقبت ذلك كشوف أخرى، ووقع في يد المسافرَين سلاسل مصنوعة في جنوب ويلز وظلت العلامة Welsh Borderers ، مرسومة على وجه جرف، وكان لمدير «شركة مستودع عدن» فحم حجري حقيقي من ويلز داخل درج مكتبه. أما الجزء الأخير من الكتاب فتركز على تلك القرى الصغيرة في جنوب غرب اليمن، حيث التقت باتريشيا بمجاميع من الرجال المتقدمين في السن كانوا ذات يوم يعملون على السفن البريطانية. وهم عاشوا في أماكن مثل كاردف وساوث شيلدز وبرمنغهام ليفربول، وهم ما زالوا محافظين على موضة قصر الشعر الخاصة بالبيتلز.وهناك التقت برجل ذي لكنة ويلزية، وبعد وقت قصير جلست معه في مقهى، وهناك التمّ حولهما عدد من كبار السن الذين راحوا يتذكرون حياتهم داخل السفن وفي تايغر باي.وكتبت باتريشيا «كنت مندهشة لجلوسي في قرية نائية في اليمن مع بحار مسن راح يخبرني عن أشياء تخص كاردف ولم أكن حتى أنا أعرفها».واكتشفت باتريشيا أن الحياة في الثقب الأسود الموجود داخل قمرة المحرك، هو واحد من أصعب ما يمكن تخيله المرء. فمثلما هي الحال مع «أسلافهم الذين كانوا يحرقون البخور، كان هؤلاء يقومون بحرق الفحم الحجري في قمرات المحركات الخاصة بالسفن البخارية باعثين بالدخان إلى السماء.. والكثير من اليمنيين الذين شاركوا في الحروب، قد ذهبوا مع نيرانهم إلى أعماق المحيطات، كانت تلك تضحيتهم، كان رمادهم المشتعل، كان ذلك عصرهم

 

الشرق الأوسط

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن