بيان القاعدة الجديد يخلط الأوراق ويحرج الحكومة بعد قصفها للأبرياء في وادي عبيدة

الأحد 20 يونيو-حزيران 2010 الساعة 04 مساءً / مأرب برس ـ علي الغليسي
عدد القراءات 10142

أعتقد أن (جهينة قطعت قول كل خطيب ) وأن القاعدة ببيانها الجديد قد ساهمت في تعرية أهداف الحملة العسكرية المتذرعة بملاحقة المتورطين في مقتل العقيد محمد صالح الشايف ومرافقيه (رحمهم الله)، ولا داعي بعد صدور بيان القاعدة لبقاء تلك المظاهر المسلحة المستحدثة و المفزعة واستمرار وزير الداخلية في إطلاق وابل التصريحات و الكلام المحشو ببارود القذائف، وتوعد من يزعم أنهم متواجدون في مأرب من عناصر القاعدة والمتسببين في مقتل أركان حرب اللواء 315بالمزيد من الضربات التي لم تصل إليهم البتة، وإنما سوت منازل الأبرياء بالأرض، وحولت بعض القرى إلى شوارع مليئة بالركام يصعب سلوكها، وإلى مناطق هامدة لا يخرق الصمت المخيف فيها سوى أصوات النساء والأطفال الباحثة عن مأوى للمبيت وهدير الطائرات الذي يوتر الأجواء، ضمن سيناريو مخيف لمرحلة (الإرهاب بالقصف) تحت غطاء (مكافحة الإرهاب) الذي بات كالأقبح من الذنب عند تبرير استهداف القبائل من قبل السلطة التي أدمنت الرقص على أشلاء الضحايا ودماء الأبرياء في (محافظة) تجود يومياً بالنفط والغاز ، ونصيبها على الدوام قذائف الدبابات وصواريخ الكاتيوشا.

ليس أفضل للحكومة بعد ذهاب تلك الشماعة التي علقت عليها جملة الأخطاء الحربية من مراجعة أدائها والاعتذار العلني لأبناء مأرب بعد تشويه الصورة وتزييف الحقائق أمام الرأي العام المحلي والدولي ، ومحاولة الإيقاع قبلياً بين قبائل (عبيدة) و(دهم) بعد مقتل الشايف .. والتوقف أيضاً عن جنونها وعشوائيتها التي قد تقود إلى انهيار منظومات المعتدلين والتي تتهاوى يوماً بعد آخر بفعل لغة الكبرياء والغرور البادية على توجهاتها وبجريرة غبائها واستهتارها بالبشر.. فمن ذا الذي سيمنع الصغير بعد أن نما يتيماً إثر فقدان أبيه في قصف وحشي مؤلم من أن يختار أي طريق وتحت أي مسمى وبأي وسيلة طلباً للثأر والانتقام؟! وإذ لم تعد ترد أي أنباء طيبة عن تلك الحرب –المحزنة- التي تسميها الحكومة بالحرب على الإرهاب، والتي جعلت منها ذريعة للقصف وإطلاق نيرانها بعشوائية، والسير في ذلك الطريق الدموي والمأساوي بالضرب هنا تارة وهناك تارة أخرى ،وفقاً لخطط غامضة توحي بوجود أهداف خفية تسعى السلطة للوصول إليها عبر خيارات القوة والعنف ليس أقلها ـ إنهاك القبائل ـ ليظل المشهد في مأرب مغلفاً بالضبابية بسبب عدم ظهور الأشباح أو وجود عدو حقيقي أو وهم صادق أو نهاية تلوح في الأفق.

 خلال بداية الحملة العسكرية التي لا زالت متواصلة على مناطق وادي عبيدة بمحافظة مأرب نشرت بعض وسائل الإعلام في بلادنا ، بيان منسوب لـ(قاعدة جزيرة العرب) أعلنت فيه التنظيم مسؤوليتها عن استدراج جابر الشبواني وتصفية العقيد الشايف جسدياً، وبمجرد نشره في عدد من المنتديات المحسوبة على القاعدة صار البيان حديث الناس في المقايل وأماكن التجمعات، بل إن كميات كبيرة من النسخ المصورة جرى توزيعها بشكل هائل، ويعود ذلك الأمر لسببين الأول: استغلال تعاطف الناس مع الشبواني والشايف لتحريضهم على القاعدة والثاني: محاولة تبرير قصف الجيش لمنازل الأبرياء في منطقة جو العبر بوادي عبيدة، وإيهام الرأي العام بأن الحملة العسكرية خرجت لملاحقة المتهم الرئيس في مقتل الشايف (حسن العقيلي) بناء على معلومات دقيقة جاء تأكيدها في بيان القاعدة ، الذي فوجىء المتابعين لمواقع القاعدة في الانترنت بأنه قد تم حذفه من قبل مراقبي ومشرفي تلك المواقع الالكترونية بعد زمن قصير من تحميله على صفحاتها.

مساء الثلاثاء 15 يونيو الماضي تمكنت القاعدة وعبر جهازها الإعلامي من رد (صاع) السلطة بصاعين، حيث نشرت على نحو واسع وكثيف بمناطق محافظة مأرب بياناً حمل الرقم (15) اعتبرت فيه ما يحدث بوادي عبيدة من قتل للشرفاء وتهديم بيوت الأبرياء وقتل للأطفال والنساء بحجة أن بعض أبناء القبائل مطلوبون هي من الذرائع المكشوفة التي تضاف إلى قيامهم بقتل جابر الشبواني عن طريق أسيادهم الأمريكان بطائرة أمريكية، وأضاف البيان: ثم بعد ذلك نسبوا زوراً إلى المجاهدين قتل العقيد الشايف في بيان مزور نشروه باسم الملاحم في أوساط القبائل، والمقصد من وراء هذا كله هو زرع الفتنة بين القبائل ومحاولة السيطرة على الوادي وإذلال القبائل وتطويع الشرفاء لخطة المكر التي رسمها (بترايوس) الصليبي الحاقد، وتبعاً لهذا المخطط الخبيث حركت الحملات العسكرية تقصف وتدمر وتستهدف بيوت الأبرياء والآمنين وتقتل الأطفال والنساء بحجة مطاردة المجاهدين – حد تعبير البيان-.

النسخة المطبوعة للبيان ذيلت بملحوظة أشارت إلى وجود نسخة صوتية للتأكيد على صحته بصوت مؤسسة الملاحم لقطع الطريق على المتلاعبين والمزورين، وذلك الأمر يوحي بأن القاعدة قد تلقت ضربة إعلامية موجعة بفعل ذلك البيان السابق المنسوب إليها، وأنها لا تريد الدخول في أي مصادمات من شأنها أن تعكر صفو تنقلاتها في تلك الصحارى المفتوحة التي تحيط بها القبائل من كل جانب.

يمكن القول هنا بأن القاعدة تسعى دوماً إلى استغلال الفرص والمناسبات لتسويق أهدافها وآرائها، وتولي الجانب الإعلامي ذات الاهتمام الذي توليه للجانب العسكري إدراكاً منها لأهمية الإعلام في تعبئة الرأي العام، والدليل على ذلك مواكبتها من خلال بيانها الجديد لحالة الغليان السائدة في وادي عبيدة بعد قصف الجيش لمنازل الأبرياء بعشوائية مفرطة، حيث ساقت العديد من المفردات والمصطلحات والجمل التي تخاطب العواطف بلغة جذابة مثل (يا أهل مأرب الأبرياء، يا قبائل مأرب الشرفاء، أيتها القبائل الأبية، أيها الشباب الغيورون من أبناء عبيدة خاصة وقبائل مأرب عامة.. وغيرها). ولا تنسى تذكير الناس بالماضي والتركيز على ما يثير الحمية حيث قال البيان مخاطباً قبائل مأرب: "إن سكوتكم عن هذه الجرائم يجرئ الخصم عليكم ويدفعه إلى أخذ دياركم وانتهاك حرماتكم، وقد قتل في الأمس القريب نساءكم وسكتم، ثم اليوم يقتل نساءكم مرة أخرى، فأين الأحرار الغيورون على حرائر مأرب؟ إنكم كنتم تغارون على نساء أفغانستان والعراق وذهبتم إلى هناك لتدافعوا عن العرض فماله اليوم بينكم يشكو المظلمة؟ ما له اليوم لا حامي له ولا مدافع عنه؟ ماذا فعلت الحريم والبيوت والمساجد؟ هل هي من تنظيم القاعدة؟ فلماذا القصف العشوائي بالطيران والصواريخ على البيوت والعوائل؟ بالأمس تقصف بيوت ومزارع آل شبوان، واليوم تتقدم الحملات العسكرية على البيوت والمزارع في جو العبر وها هي بيوت آل حتيك تقصف بالصواريخ وقبائل الوادي تقف موقف المتفرج وكأن الدور لن يأتي عليهم يوماً من الأيام.

ويضيف البيان: "إن مآثر أجدادكم رفض الذل والخنوع وعدم قبول الضيم، أما اليوم فها هي الحملات العسكرية تتوالى على دياركم وطائرات الأمريكان التجسسية تكشف حرمات بيوتكم وأنتم تنظرون، فهل من إحياء لمآثر الآباء والأجداد؟!

تجيد القاعدة في خطابها الإعلامي العزف على أوتار المشاعر وتسعى لولوج الميدان من بوابة (النخوة) فتشير في بيانها قائلة "إن المطاردين من المجاهدين هم أبناؤكم وسوق يلحقكم العار في تسليمهم أو قطيعتهم، إن أبا طالب الكافر رفض أن يسلم نبي الله صلى الله عليه وسلم فلا يكن أبو طالب أجرأ وأحفظ لذمته منكم" ونوه البيان بالإشارة إلى ما نصه (ها أنتم ترون الأفغان وقبائل باكستان لم تسلم المجاهدين للكفار والمرتدين، وهم نسب بينهم وبين العرب، واجتمعت عليهم أمم الكفر والردة ولم يفت في عضدهم شيئاً، ولم يضيقوا ذرعاً بإخوانهم لأن في دينهم وعرفهم أن تسليم الضيف عار، فكيف بكم وهؤلاء أبناؤكم، إنه والله لو سكتم عن هذا المنكر ومر عليكم ولم تفعلوا شيئاً، ليركبنكم الذل والعار ثم لا ينزع عنكم، فمن خذل مسلماً خذله الله، ومن رضي بالظلم وقع عليه.

ودعا بيان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من سماهم (الشباب الغيورين من أبناء عبيدة وقبائل مأرب) إن كان بعض مشايخكم تركوا ما كان عليه أسلافكم من نصرة المظلوم وإكرام الضيف، فإن العار لا يغسله الماء، وهذه المواقف لا ينساها التأريخ، فإن الأمل فيكم لغسل هذا العار بالدم، احملوا يرحمكم الله وشدوا بأسكم وانصروا أعراضكم ودافعوا عن أرضكم ودياركم فإن الله ينصر المظلوم ويؤيده وأنتم أهل الحرب والبأس، فمن متى استبيح حماكم؟ وعاث الظالم في أرضكم؟ وهدد البيان من وصفهم بطواغيت الكفر وأعوانه من عملاء أمريكا بأن المجاهدين في جزيرة العرب سيشعلون الأرض تحتهم ناراً.

ووجه البيان في خاتمته رسالة إلى مشائخ عبيدة خاصة إلى مشائخ مأرب عامة تطلب منهم النأي بأنفسهم عن الوقوف مع (الحملة الصليبية) فإن لم تنصروا الحق وتحموا الديار فلا تقفوا مع الباطل وتنصروا عملاء أمريكا، ومن راهن على علي عبدالله صالح فليعلم أن ملكه ذاهب وحكومته زائلة.

من نافل القول إن موجة الرعب التي تخلفها عمليات القاعدة، لن تكون في حجمها بعيدة عن مستوى اللغط الذي تثيره بياناتها التي دعت للتحقق منها عبر الرجوع إلى مواقع التنظيم الموثوقة على الإنترنت، وصوتيات مؤسسة الملاحم للإنتاج الإعلامي ومن وصفتهم بالمجاهدين الثقاة من أبناء القبائل، ومما لا شك فيه فإن أهمية المعركة الإعلامية قد تحصد في كثير من الأحيان نتائج أكبر من تلك المتحققة أثناء المعارك العسكرية، لذا فإن من المتوقع أن تدفع (حرب البيانات) المستعرة حالياً مستوى التصعيد القائم بين السلطة والقاعدة في بلادنا.

بالطبع .. فإن ما يحدث في مأرب من قبل الدولة بذريعة وجود عناصر القاعدة ليس مأساوياً فحسب بل إنه محرج أيضاً، وبينما يعلن الجيش تحديد إحداثيات 12 منزلاً للمطلوبين أمنياً تمهيداً لقصفها، فإن استمرار تدمير منازل الأبرياء وسقوط الضحية تلو الأخرى، وتزايد أعداد الباحثين عن النجاة من نيران داهمة تتسلى بقتل الأبرياء قد تحيل المنطقة إلى منتج خطير للتطرف، ستتفاقم معه الأمور، ولن ينتصر على إثره الجيش في أي مواجهة، حتى وإن قبل كبار القوم بالهزيمة والتبعية فإن الأفراد القبليين سيجدون أنفسهم مضطرين للمقاومة والتمرد.. من هنا يصبح نفوذ الدولة مشلولاً وتواجدها مسمماً للمناخ وجالباً للأذى لهم ولغيرهم.

طوال الأيام العشرة الماضية وبحجة عمليات قاعدية أودت بحياة ضباط ورجال أمن ، كان الجميع بوادي عبيدة في مرمى نيران الجيش والتي كانت الصدمة من عشوائيتها المفرطة ومباغتتها للسكان أضخم من حجم الانفجارات، التي صارت مشهداً ليلياً يترقبه الكل بعيون قلقة وقلوب تخفق من الخوف، وعقول تفكر في صورة المشهد القادم الذي – إن طال لا سمح الله- قد يحول تلك المناطق قاعاً صفصفاً كصورة طبق الأصل للوضع الذي أصبحت فيه صعدة من خراب مؤلم ودمار منتشر، ونظراً لكون مناطق (وادي عبيدة) صحراوية مفتوحة تختلف عن تضاريس (صعدة) الجبلية فإن الخوف يكبر كلما حسمت مناقشة الأمر بمقارنته لما حدث في حيدان ومران وضحيان ليأتي قرار عاجل لأعداد كبيرة من الأسر التي بادرت إلى النزوح في غضون فترة زمنية بسيطة قبل أن يطال القصف منازلهم.. بل إن البعض اختار مغادرة الوادي وألسنة اللهب ما زالت بعيدة عنهم بكيلومترات ولا يصلهم منها سوى ما تحمله رياح صيف مأرب العاتية والعابرة من رائحة البارود.

بالطبع.. فإن استمرار سير الجيش والدولة في ذلك النهج سيخلط الأوراق وسيبعثر الخطط الرامية لاستئصال أولئك النفر القليل من المطلوبين لأجهزة الأمن بتهمة القاعدة، فالسيل قد بلغ الزبى، ومستوى الاحتقان يزداد مع كل قذيفة تنطلق من فوهة دبابة ومع كل صاروخ يغادر منصات الكاتيوشا، مشاعر الاستياء التي باتت تعم كافة أبناء قبائل مأرب –وليس عبيدة فقط- كفيلة بانحدار الوضع إلى منحدر خطير.. ربما أنه قد يكون ليس موجوداً ضمن أجندة الداخلية والمنطقة العسكرية وقوات مكافحة الإرهاب.. أو أن تقارير الأحداث السابقة قد استبعدته من حسابات أسوأ الأحوال.. والشواهد الميدانية المستوحاة من الواقع، والمستنبطة من أحاديث الناس توحي باحتمال خروج الوضع عن قبضة تلك الأيدي –التي تزعم- أنها مسيطرة.

*استمع لنص البيـــان.

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الحرب على القاعدة