رسالة إلى شعب الكويت
بقلم/ يحيى الثلايا
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 27 يوماً
الثلاثاء 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 03:48 م

ربما من نافلة القول حين الحديث عن اليمن والكويت أن تكون الإشارة إلى الاستقلال المجيد الذي ناله شعب الكويت في عام 1961م، والذي كان بشير خير على البلد العربي المشطور القابع في جنوب الجزيرة العربية، إذ قامت الثورة في شمال اليمن في سبتمبر 1962م ضد نظام وصف بأنه الأكثر جموداً وتحجراً في العالم، ثم تلتها ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م والتي حررت جنوب اليمن من الاستعمار، وفي كلتا الثورتين كانت دولة الكويت العربية المستقلة مبادرةً إلى الاعتراف بثورة أحرار اليمن ودولتهم الجديدة.

وفي يمن الثورة، كان للكويت حضورها المميز، وبصماتها الواضحة التي تدل على شراكة عميقة في التاريخ والمصير وأخوة الدم والدين بين أبناء الشعبين، وتؤكد الحضور المتميز للكويت عربياً وإسلامياً وعالمياً.

ولأن اليمن التي ثارت ضد الإمامة الطائفية المتخلفة، والاستعمار الأجنبي الناهب، لم يكن بمقدورها تجاوز مخلفات ذلك التاريخ بسهولة، فقد عانت من سوء إدارة في الحكم وقلة في الموارد رغم ما عُرفت به في التاريخ من أنها بلد الحضارة، وما اشتهرت به في الصناعة والتجارة، وأنها بلد الجنتين والسد العظيم، لذلك كانت محتاجة إلى إخوانها وجيرانها.

كغيري من شباب اليمن، منذ فتحت عيني على الحياة، رأيت شعب ودولة الكويت الشقيقة أمامي، حيث المدرسة التي درس فيها هي مدرسة الكويت، والمستشفى الذي أتجه إليه للعلاج هو مستشفى الكويت، والجامعة التي منها تخرج شباب اليمن بنيت على نفقة الكويت، ومشاريع كثيرة في اليمن كان للكويت فيها يد بيضاء زاهية، كل ذلك دون منة أو احتساب لجزاء.

تأثير كويتي في مختلف المجالات ليس في مجال المشاريع وحدها حضر التأثير الكويتي في اليمن، بل امتد ليشمل كافة المجالات حتى الفكرية والسياسية منها، إذ إن ما تميزت به الكويت من نهضة ثقافية وإعلامية نوعية، وما حظيت به من تعدد فكري وسياسي ومناخ ديمقراطي منذ زمن مبكر، كان مؤهلاً لها لتساهم في قيادة الحركة الفكرية العربية بمدارسها المختلفة في اليمين واليسار والوسط، ولا أظن أن مثقفاً يمنياً لم يكن للمنابر الكويتية الثقافية عليه فضل، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر من هذه المنابر مجلة «المجتمع» الغراء، ومجلة «العربي»؛ إذ لا يكاد يكون هناك بيت في اليمن لم تدخله هاتان المجلتان أو واحدة منهما.

موجة «الربيع العربي» التي انطلقت من أرض القيروان رأى فيها شباب اليمن حلماً قديماً في مستقبل مشرق كاد أن يذبل ويموت، وكان شباب اليمن ينتظرون هذه اللحظة بفارغ الصبر؛ بعد أن كاد بلدهم يتعرض للتشطير من جديد، وربما الانهيار الكامل، بفعل سياسات النظام الذي يتزعمه «صالح» منذ ثلث قرن. خرج اليمنيون إلى الساحات، وكانت ساحتهم الأولى هي جامعة صنعاء وبالتحديد من فناء القاعة الكبرى التي لا تزال اللوحة التذكارية شاهدة على دور دولة وشعب الكويت في تمويلها، وافترش اليمنيون الأرض وقارعة الطريق في ساحة تحدها غرباً جامعة صنعاء - التي تأسست بتمويل كويتي - ويحدها شرقاً مستشفى الكويت.

 

وحين قرر الثوار دخول بعض كليات جامعة صنعاء ومستشفى الكويت لغرض تحويلهما إلى مستشفى ميداني يستقبل جرحى وقتلى الاحتجاجات، بعد أن ضاقت بهم المستشفيات وثلاجات الموتى، قام شباب اليمن بإسقاط وإزالة صور «علي صالح» التي تتصدر تلك المباني، كونهم يرون فيه خصمهم وقاتلهم الذي لا يعترفون بشرعيته، لكن موقفهم مع صور أمير دولة الكويت التي كانت بجوار صور «صالح» في مستشفى الكويت وكلية التجارة كان مختلفاً.. لقد قاموا بمسح الغبار عن الصور.

هذه الحركة الرمزية هي تعبير واضح عن شعور اليمنيين تجاه شعب الكويت، إذ يرون في الكويت أملاً متجدداً سينتصر لحقهم في الكرامة والاستقرار، كما انتصر له قبل نصف قرن، وأكدته الشواهد الجلية المتمثلة في العلاقة المتينة بين شعبين شقيقين لم يكدر صفوها غير هذا النظام الذي قرروا اليوم إسقاطه وزعيمه الذي أساء لليمن وأشقائها.

يذكر التاريخ أن ملك اليمن المخلوع لما رفض الاعتراف باستقلال دولة الكويت، لم يكسب لبلده أو له خيراً، ولم يكن لشعب الكويت إلا دافعاً ليعترف بعد أشهر من ذلك الموقف بالثورة التي أتت على نظام الإمام. هل سيكرر التاريخ نفسه اليوم؟ حيث تكون الإساءات التي بدرت من «علي صالح» تجاه شعب الكويت يوم محنته سيئة الذكر والتي لم يراعِ فيها لا الحقيقة ولا المعروف، هل تقابلها دولة وشعب الكويت اليوم بالانتصار لشعب اليمن الذي يؤمل من أشقائه الخير الكثير، ويحتاج اليمنيون الآن لنصرة أهلهم العرب أكثر من أي لحظة مضت؟.

كواحد من شباب الثورة اليمنية يحدوني أمل كبير ويغمرني تفاؤل لا محدود، وكل بني شعبنا الصابر، رغم أنه لا يعرف الضيم، آمالنا فيك كبيرة يا كويت رغم أن إحساسنا بتجاهل قضيتنا العادلة من بعض بني جلدتنا يؤلمنا كثيراً، لكننا مع الكويت نشعر ونحن نثور في صنعاء أننا ننتصر لها كما ننتصر لأنفسنا حين قررنا طي صفحة سوداء من تاريخنا أساء فيها «علي صالح» لأشقائنا الكرام كما أساء فيها لنا.

*نقلاً عن مجلة المجتمع الكويتية