ثورة شباب اليمن سلمية غير مسبوقة ولا مثيل لها
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 25 يوماً
الخميس 29 ديسمبر-كانون الأول 2011 09:02 م

يقول عنها النظام ازمة سياسية وتقليد لما حدث في شمال افريقيا, لكنها في الحقيقة ثورة بكل معنى الكلمة, وسلمية بالفعل لا بالقول, ومبدعة في الواقع لا في الخيال. ليس فيها تنظير ودجل سياسي بل افعال مرتبطة بتضحيات وسمو اخلاق, ليست فيها طموحات شخصية بل طموحات وطنية مشروعة.

ثورة شباب اليمن تجاوزت الاحزاب وسبقت تفكيرهم, بل وفرضت عليهم اجندتها الثورية دون ان تترك لهم مجال للانحراف عنها. يقول النظام ان الاحزاب سرقتها في حين انها انقذتهم من الانحطاط ورفعتهم من الحضيض الذي وضعهم فيه تكتيكهم السياسي وسكوتهم عن التجاوزات والاخطاء في احزابهم وفي السلطة التي كانوا وعادوا جزء منها.

ثورة شباب اليمن نسفت كل التشويه الذي نشره نظام صالح عن اليمن واليمنيين. ففي حين قام النظام بنشر وتوزيع السلاح وزرع الفتنة والشقاق والحروب القبلية والثارات بين الاخوة ليظهر للعالم بان الشعب اليمني شعب متخلف وهمجي, اثبتت ثورة الشباب العكس بان جعلت القبيلة تترك السلاح وتنتفض سلمية بل ويقتل ابنائها دون ان نرى حروب الثار, الاهم من ذلك ان من كانوا يتقاتلون في السابق صاروا يفترشون خيمة واحدة وياكلون من نفس الوعاء بل ويضحي بعضهم من اجل بعض. كما قام نظام صالح بمحاربة المرأة اليمنية وتشويهها, في حين اظهرت ثورة الشباب ان المرأة اليمنية الام والاخت والزوجة والابنة تجاوزت مكانة الرجل المتوارثة لتكون هي القائدة التي تتقدم الصفوف وتتلقى الرصاص حماية للرجل حتى جعلت العالم يشهد لها ويكرمها.

ثورة شباب اليمن ليست كغيرها من الثورات الحديثة والقديمة, حيث دفعت هذه الثورة النموذجية الحاكم الى اسقاط النظام وتفكيكه والتخلي عن وظائفه منذ ايامها الاولى الى ان اعلن صراحة في الالية التنفيذية للمبادرة الخليجية عن وقف العمل بالدستور, في حين لم تحقق الثورات الاخرى هذا الهدف الى الان.

بعد ان تمكنت ثورة الشباب السلمية اليمنية من تفكيك نظام صالح وفضحه امام العالم, ورات تمسك قوى خارجية ببقايا ذلك النظام القاتل في محاولة لتجميلهم واعادت صياغتهم للعهد الجديد القادم, ابتكرت ثورة شباب اليمن تكتيكا جديدا فضح موقف تلك القوى ودفعها الى التصريح به علنا في سابقة تاريخية. ان مسيرة الحياة الراجلة من مدينة تعز الباسلة الى صنعاء العاصمة, اذهلت العالم واربكت القتلة وحلفائهم فصاروا يتخبطون في كيفية ايقافها ومواجهتها الى ان اعلن السفير الاميركي في اليمن فتواه للقتلة بقمعها لانها غير سلمية. ان التصريح المشئوم لسفير اميركا الراعية لتنفيذ المبادرة الخليجية بعدم سلمية المسيرة الراجلة وشرعية قتل المشاركين فيها, اوقع الدبلوماسية الاميركية في مازق حقيقي. فكيف يمكن لشباب ساروا على الاقدام لاكثر من 280 كيلو متر وقطعوا خلالها قرى ومدن وشوارع شاهدهم فيها المواطنين والعالم اجمع لايحملون عصى ولم ياذوا انسان او حيوان او نبات على طول خط سيرهم, ولم يواجههم احد باذى الا عند دخولهم عرين القتلة, حتى ان احد مراقبي حقوق الانسان قال باكيا عند مشاهدته لشهداء تلك المسيرة السلمية "ليس عدلا ان يكافئوا بالقتل". دفعت تلك المسيرة السلطات الاميركية الى تسريع مغادرة صالح وعائلته للساحة اليمنية, وفتحت للثوار شوارع كانت محرمة عليهم واسقطت من تلك الشوارع صور الطاغية.

اعادت مسيرة الحياة لتعز وابنائها الاعتبار والاعتراف بمكانتهم ودورهم القيادي وتحضرهم وسلميتهم وابداعهاتهم. وحركت طريقة مواجهة مسيرة الحياة مشاعر الفئة الصامتة والمظلومين في كل موقع فانتفضوا يقتلعوا الفاسدين, في استراتيجية جديدة للثورة تشمل جميع مؤسسات الدولة مدنية وعسكرية في كل المحافظات والمديريات اليمنية. تقوم استراتيجية الثورة اليمنية الجديدة على تكسير اعمدة بقايا النظام من صغار الطغاة إلى الأعلى بثورات مصغرة دون المساس بالمؤسسات.

ان الاستمرار في هذه الاستراتيجية بحاجة الى انضباط وتسلسل ومنهجية صحيحة بعيدا عن العشوائية والانتقام, فاذا تم تنظيمها وحمايتها من المندسين, فإن تكسير أعمدة النظام سيؤدي بكل تأكيد إلى انهيار النظام العائلي بالتوازي مع إقامة النظام الجديد وحماية مؤسسات الدولة من الانهيار, وتكون الثورة الشبابية اليمنية بذلك قد ادخلت الى التاريخ افكارا خلاقة في التغيير الجذري بأقل التكاليف.