ثورة التغيير من المسيرات إلى المؤسسات!!!
بقلم/ د. عبد الملك الضرعي
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 19 يوماً
الأحد 01 يناير-كانون الثاني 2012 04:20 م

منذ مطلع2010م كان الخروج الأول بمسيرة إلى جوار مجسم (الحكمة)أمام بوابة جامعة صنعاء الشرقية لأعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء للمطالبة بإصلاح التعليم الجامعي ورفض كل التجاوزات القانونية التي مارستها رئاسة جامعة صنعاء خلال السنوات السابقة لعام2010م ، وعلى الرغم من المحاولات المتكررة من رئاسة جامعة صنعاء لاحتواء إحتجاجات أعضاء هيئة التدريس ، إلاَّ أن تماسك أعضاء هيئة التدريس بما فيهم الشرفاء من أعضاء المؤتمر الشعبي ،أجبر رئاسة جامعة صنعاء على توقيع إتفاق مع نقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعتي صنعاء وعمران وبضمان وزير التعليم العالي ورئيس الوزراء ، ذلك الإتفاق يقضي بالتزام رئاسة جامعة صنعاء بتنفيذ عدد من المطالب ومنها على وجه الخصوص إصلاح التعليم الجامعي ، بل وافقت رئاسة الجامعة على ماهو أبعد من ذلك والمتعلق بإعادة النظر في التعيينات المخالفة لعامي 2008و2009م ، وعلى ضؤ ذلك علق الإضراب وعاد أعضاء هيئة التدريس لممارسة أعمالهم ، ولكن تبين فيما بعد أن توقيع رئاسة الجامعة لم يكن سوى تكتيك إداري للخروج من المأزق وعودة الدراسة لأن غالبية بنود الإتفاق لم يتم الإلتزام بها حتى الآن .

وفي مطلع فبراير2011م أي بعد عام من احتجاجات أعضاء هيئة التدريس بدأت إحتجاجات طلابية بسيطة أمام بوابة إدارة جامعة صنعاء فلم يتم احتوائها من خلال الحوار ، بل كان غض الطرف والتعامل السلبي وسؤ التصرف السبب المباشر لإخراج الطلاب لاحتجاجاتهم إلى البوابة الشرقية لجامعة صنعاء ، ومن ثم يمكن القول أن الشرار الأولى للثورة الشبابية كان سببها سؤ الإدارة لقضايا الطلاب ، بينما كان سؤ الإدارة أيضاً السبب المباشر لخروج أعضاء هيئة التدريس قبل عام من ذلك التأريخ أيضاً إلى البوابة الشرقية للجامعة.

إن نواة الثورة الشبابية الطلابية التي بدأت بعشرات الطلاب إتسعت مع تسارع الأحداث في تونس ومصر لتزاد الأعداد إلى المئات ثم الألاف فعشرات الألاف لتتوج أخيراً في صنعاء وحدها بجُمع مليونية في شارع الستين ، ومسيرات بمئات الألاف ، إن المراقب لمسيرات ساحة التغيير بصنعاء والتي قطع فيها شباب الثورة ألاف الكيلومترات خلال العشرة الأشهر الماضية لم تكن نزهة بل رحلة من المغامرة والتضحية ، وفق رؤية تقوم على الوصول إلى مختلف أحياء أمانة العاصمة ، ويمكن للمتابع أن يتذكر المواجهات الأولى أمام بوابة جامعة صنعاء وحتى جولة (سيتي مارت) حيث كان الشهيد عوض السريحي رحمه الله أول تضحيات الشباب بعد تثبيت الخيام في تلك المنطقة ، ولم يكن نصب الخيام جنوباً بعد ذلك بالأمر السهل حيث سقط ما يقرب من(60) شهيداً في جمعة الكرامة نتيجة محاولة السلطة وقف توسع الخيام الذي نجم عن زيادة المحتجين ،واستمرت الساحة في التوسع حتى غطت مئات الكيلومترات المربعة من الشوارع المحيطة بجامعة صنعاء، في نفس الوقت الذي استمرت المسيرات اليومية وكلما توسعت المسيرات حاولت السلطة تحجيمها من خلال نشر قوات الأمن أو المسلحين المدنيين ، وتمكن الشباب من المرور عبر الغالبية العظمى من شوارع أمانة العاصمة ولكن بعد التضحية بالمئات من الشهداء والجرحى وعلى وجه الخصوص في منطقة القاع والزبيري والستين لأن السلطة كانت ترى في هذه الأماكن خطوط حمراء لقربها من القصر الجمهوري ومنازل للرئيس وعائلته ، وعلى الرغم من ذلك تمكنت المسيرات الأخيرة من العبور من تلك المناطق بسلام وبمساندة وترحيب من أبناء تلك الأحياء والشوارع ، بل وصل الأمر إلى إزالة صور الرئيس من تلك المناطق من قبل الأهالي أنفسهم ، وبالتالي أوصلت مسيرات الشباب روح الثورة ورسالتها إلى مختلف المناطق التي مرت بها ، والأمر كذلك في مختلف محافظات الجمهورية ،بل أن مسيرة الحياة من الحالمة إلى العاصمة لم تكن سوى جزء من مسيرات محاصرة الإستبداد .لقد أدت تلك المسيرات إلى تراجع شعبية الحزب الحاكم ورموزه التقليديين في المؤسستين السياسية والعسكرية والشعبية، بينما عززت من شعبية الثورة الشبابية الشعبية السلمية.

إذا كان الصمود في الساحات والمسيرات من الأدوات الهامة التي مكنت قوى الثورة من إضعاف السلطة على المستوى السياسي والميداني والشعبي ، فإن التوافق السياسي الذي نجم عن المبادرة الخليجية ، مثل طوق نجاة لبعض قوى الفساد التي دب فيها الرعب خلال الأشهر الأولى للثورة الشبابية الشعبية السلمية ، تلك القوى التي كانت تعد العدة لمغادرة مراكزها الإدارية ، وربما كان بعضها يرتب أوضاعة خارج اليمن ، أعادت ترتيب أوضاعاها في مناصبها الإدارية وبنفس ألياتها الإدارية السابقة خاصة إذا كانت في الوزارات التابعة للمؤتمر الشعبي ، إن ذلك الوضع أفقد العديد من قوى الثورة الأمل في إحداث التغيير في بنية الفساد داخل مؤسسات الدولة ،وحاول الفاسدون فرض الأمر الواقع وقطع الأمل لدى شرائح واسعة من العاملين في تغيير القيادات العتيقة والمعروفة بفسادها، ومن ثم وخروجاً عن حالة التوافق السياسي أو حدود الفعل الثوري للساحات ، بدأت حركة التغيير تنتقل إلى المؤسسات يقودها العاملون بمختلف توجهاتهم السياسية ودرجاتهم الإدارية بما في ذلك شرائح واسعة من قواعد حزب المؤتمر الشعبي العام التي ضاقت ذرعاً من الفساد الذي حُسب عليهم خلال الفترات الماضية ، وهم بذلك يستلهمون روح الثورة الشبابية الشعبية السلمية في كفاحهم ضد الفاسدين .

أخيراً إن مسيرة التغيير التي بدأها العشرات من طلاب جامعة صنعاء ، أوشباب تعز وعدن مطلع 2011م ، لايمكن أن توقفها توافقات سياسية داخلية أوخارجية أو عنف مسلح ، لأنها طموحات شعب يسعى لتحقيق أهداف مشروعة تقرها القوانين الدولية والمحلية ، وعلى رأس تلك الأهداف الحرية والعدالة الإجتماعية والمواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في الثروة والقوة والسلطة ومحاربة الفساد بمختلف أشكاله ، ومع يقيننا بمشروعية تلك المطالب الشعبية ،إلاَّ أننا نأمل أن تبتعد عن العشوائية والعنف والإنتقام ، وأن تؤطر بالسلمية والعدالة ، فليس كل مسئول فاسد وليس كل مدعي صاحب حق ، فمشروعية التغيير يجب أن تستند إلى حقائق ووقائع موثقة ، ونأمل من القيادات الحكومية في حكوة الوفاق الوطني أن تدرك تلك التحولات ، وأن تبادر إلى معالجة أوضاع الفساد قبل تحول الإحتجاجات إلى وضع يصعب السيطرة عليه.