زلزال غير مؤثر في حكومة الوفاق
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 9 أيام
الخميس 12 إبريل-نيسان 2012 06:38 م

ضرب زلزال قوي الدولة الاندنوسية يوم الاربعاء 11 ابريل 2012م, فأعلنت الدولة الاندنوسية حالة الاستنفار القصوى في البلاد وأرسلت تحذيرات جادة من تسونامي قد تصل تأثيراته الى الشواطئ الشرقية لليمن. قامت اندونيسيا بواجباتها نحو شعبها وعندما زال الخطر أعلنت لمواطنيها انتهاء حالة الطوارئ.

تفاعلت بلادنا اليمن مع المعلومات الخطيرة بطريقة استثنائية تجاوزت كل الحدود. حيث أعلنت وزارة الصحة اليمنية حالة الطوارئ إعلاميا بعد إعلان اندنوسيا زوال الخطر, وطلبت من كل الطاقم الطبي في المناطق الجنوبية بالتوجه الى مواقع عملهم. بعد ساعات على إعلان وزارة الصحة أعلنت وزارة الداخلية حالة الاستنفار وطلبت من وحداتها في المناطق الجنوبية الاستعداد لمساعدة الضحايا, وأخيرا عند التاسعة مساء أرسلت شركات الهاتف المحمول في اليمن لكل مشتركيها رسائل تحذر من ارتفاع محتمل لأمواج البحر في السواحل الجنوبية للبلاد.

خلقت هذه المعلومات والتحذيرات حالة من الهلع بين أوساط المواطنين القاطنين بالقرب من السواحل الجنوبية للبلاد. ترافقت حالة الهلع مع انعدام اية توجيهات عن كيفية التصرف في مواجهة الخطر الداهم. كذلك الحال بالنسبة للطواقم الطبية والأمنية التي ضلت في حيرة عن ما يمكنها فعله خاصة وان الكثير من المؤسسات الصحية والأمنية تقع بالقرب من الشواطئ المهددة بالأمواج. انتهت حالة الخطر في كل البلدان المعنية وعاد السكان في اندنوسيا الى مناطقهم, في حين ضل اعلان الطوارئ في اليمن قائما دون ان تعلن اية جهة انتهائه وزوال الخطر.

هذه التجربة الفريدة دفعتني الى التخلي عن كل ما عرفته حول مواجهة الكوارث الطبيعية ووظيفة الدفاع المدني والاحتياطي العام ومعنى إعلان حالة الطوارئ ومن هي الجهة المخولة الاعلان وكيفية تجاوب الأجهزة المعنية مع الاعلان, الى ان وصلت حد السخرية من الدول التي تقيم مناورات شاملة يشارك فيها الشعب لمواجهة مخاطر الكوارث الحربية او الطبيعية. هذا التخلي سببه الرئيسي ان معلوماتي الخاطئة كانت ان من يعلن حالة الطوارئ هو رئيس الجمهورية لان كل أجهزة الدولة وغيرها تكون ملزمة بتنفيذ توجيهاته, لذا يتبع إعلانه قيام مجلس الوزراء بالانعقاد الدائم وتشكيل غرف عمليات يترافق مع اعلان كل من وزير الصحة والداخلية والدفاع التعبئة العامة لوحداتهم وتحويل كل إمكانات الدولة الرسمية والخاصة نحو الاستعداد لانقاذ المواطنين. ان هذه الإجراءات لا تتم بصورة عشوائية, بل تقوم على اساس قانوني واضح يحدد واجبات وحقوق كل الاطراف المعنية ابتداء من الإلزام الدستوري لرئيس الجمهورية في حالة الخطر الذي يتهدد سلامة مواطني الجمهورية اليمنية بالقيام بالإجراءات الضرورية التي ينظمها قانون خاص بحالات الطوارئ يوضح التزامات كل الجهات والعقوبات نحو المخالفين. إضافة الى ضرورة وجود مجلس وطني للدفاع المدني يقوم أثناء فترات الاستقرار بتدريب المواطنين على كيفية التصرف في حالات الكوارث, وانزال التوجيهات والإرشادات الى كل المواقع والمدارس والمرافق الصحية والأمنية وغيرها وتدريب أفراد الجيش والامن على المهام الإنقاذية وكيفية توزيع معدات الإنقاذ. وعند وقوع الكارثة او الإنذار باحتمال وقوعها تكون كل الوحدات جاهزة في مواقع الحدث لتنظيم العمل.

إن إعلان حالة الطوارئ دون وجود استعدادات وجاهزية للتعامل مع الخطر, يتسبب مثلما حصل في تجربتنا الفريدة الى حالة هلع وخوف ونزوح وتزاحم في الطرقات وحوادث مرورية وجرائم سرقات وغيرها. كما ان تجميع الطواقم الطبية في مستشفيات قريبة من موقع الخطر هو عملية إعدام جماعية للكادر الطبي يمكن تفاديها بإقامة مراكز إسعاف في مناطق آمنة لا تبعد كثيرا عن الموقع المفترض للضحايا, على ان يتم انتشار افراد المرور لتنظيم حركة النزوح والقوى الأمنية لتامين المنشاءات والممتلكات العامة والخاصة.

ان التجربة الفريدة لبلادنا في هذا المجال يفترض بها ان تحدث زلزالا في حكومة وبرلمان التوافق, وتشعرهم بان التغيير ليس مصطلح تنظيري او عملية تحايلية لإسكات المعارضين. ان التغيير الحقيقي يجب ان يكون في سبيل الإنسان راس المال الوطني الذي لا يعوض, فإذا لم يكن الإنسان اول هموم البرلمان والحكومة فماذا سيهمها أكثر منه. ان الزلزال المفترض حدوثه في سلطات الدولة العليا سوف ينجم عنه اهتزاز لعقول ممثلي الشعب في تلك السلطات يعيد ترتيب أولوياتها واكتشاف الخلل القانوني ونواقصه وتصحيحها سريعا بتوضيح الأولويات والمسؤوليات بقوانين تشمل كوارث الطبيعة وتشكيل مجلس وطني للدفاع الوطني والعمل من هذه اللحظة على وضع الترتيبات لحماية المواطنين القاطنين جوار السواحل الجنوبية والشرقية للبلاد, طالما وخطر التسونامي لا يزال قائما باستمرار الزلازل في الحزام الناري الاندنوسي.