الحبيب الجفري يصلي في الأقصى
بقلم/ عبدالقوي الشامي
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 4 أيام
الخميس 19 إبريل-نيسان 2012 04:52 م

الزيارة التي قام بها الداعية الإسلامي اليمني علي عبدالرحمن الجفري, يوم الأربعاء قبل الماضي 4/4/2012م للمسجد الأقصى, أثارت الكثير من ردود الأفعال منها المرحب ومنها المستنكر, في مقدمة المرحبين, كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس, الذي اعتبر الزيارة "موقف شجاع", وفي مقدمة الرافضين كانت حركة حماس, بلسان نائب رئيس مكتبها السياسي/ موسى أبو مرزوق, وصفت الزيارة بـ " مفاجأة غير مقبولة " .. وبين الشجاعة, والمفاجأة, انهمر سيل من التصريحات والتعليقات, الرافض منها أكثر من المرحب, وعلّل الرفض, بإسرائيلية التأشيرة والحراسة, مع ان الشيخ عزام الخطيب مسئول أوقاف القدس أوضح للـ (شرق الأوسط) في 8/4/2012م, بأن الجفري, حضر إلى باب المغاربة بمعية الأمير/ هاشم ابن الحسين من دون حراسة إسرائيلية.

لست هنا بصدد الانتصار لهذا الموقف او ذاك, فما لفتني من الموضوع: مدى القابلية للانقسام والانشطار, تحت أي عنوان, مع وضد, والفصيلان الفلسطينيان يقدمان للأمتين العربية والإسلامية, النموذج الذي يحتذى في التنافر وعدم الاتفاق ورفض قبول الأخر, إذ ما ان يطلع تصريح فتحاوي, حتى تصدر إدانة حمساوية, وقس على ذلك, بما يعتمل من هوس التنابذ الفضائي والعنقودي, في بقية الأقطار العربية, لا اريد ان اعدد الأسماء المتضادة, وإشارتي لأخواننا في فتح وحماس, لا لشيْ وإنما كونهم أصحاب قضيتنا المركزية, فإذا كان أصحاب قضية المركز على هذه الشاكلة, فما بالك بأصحاب قضايا الأطراف, الكل مستفز من الكل والجميع متأهب لمنازلة الجميع داخليآ, في ثنائية ضلال مقيته تبعث على الشعور بالأسى والحزن, ويصدمك سيل تعابير القدح والذم الجارف: ( رجعيون, عملاء, مرتزقه, انفصاليون, أذناب, شبيحة, بلاطجة ... وأخرتها فلول), ويبرع الجميع في تسخير تقنية الاتصالات, لتدمير جسور التواصل البينية, عوضآ عن بناءها, الكل يثرثر هذا مقبول وذاك مرفوض, في حوار عقيم, يصل احيانآ حد الشتم واللطم على الهواء, حوار يبني على بلاغة القول حينآ وضحالته احيانآ أخرى ولا يبنى على حجة الفعل ألاّ فيما ندر!

واحمال التشكيك والتخوين التي تشحن عن بعد على ظهور البعض الأخر لا تحتمل, والأجتهاد الدؤوب في تقييم اداء الآخرين ليس وفق قاعدة: الأجران والأجر للمجتهد, ان أصاب او اخطأ, وإنما وفق تضارب المصالح الضيقة وكل طرف يجد ما يسند موقفه من الرواية التاريخية, التي تحوي ما لذ للبعض وما طاب للأخر, يستحضرها الجميع, كالقول بأن القاضي محي الدين القرشي ابى ألاّ يصلي في الأقصى الّا وهو محرر .. اذآ زيارة الأقصى لا تجوز الاّ بعد تحريره, وكان الرد: الرسول (صلعم) اسرّي به إلى الأقصى وهو محتل من قبل الروم, كما واعتمر عمرة القضاء ومكة تحت حكم كفار قريش .. اذآ زيارة الأقصى جائزة وان كان تحت الاحتلال, فاستخدام الرواية التاريخية لإسناد او رفض الحاضر, فيه ما يكفي من السذاجة والهروب إلى التراث عوضآ عن الغوص في تفاصيل الحاضر, بحثآ عن أفكار خلاقة, وبعيدآ عن الركون المطلق إلى قدسية المقاومة (الخاملة) او السلطة (التائهة), فلا هذه حررت القدس ولا تلك قربتنا منها.

لذا ومن نافلة القول بأن فكرة, شدو الرحال إلى بيت المقدس, نصرة لإخواننا المرابطين المقدسيين, التي أطلقها الداعية اليمني الجفري, فيها من الوجاهة ما يضعف فكرة المقاطعة السلبية, التي أمنت للسلطات الأسرائيلية جو مريح, لتنظيم افواج اليهود الذين يحجون إلى حائط البراق (المبكى), ووفرت للدولة العبرية جملة الإحراجات, التي كان يمكن ان تصيبها, ان هي وقفت في وجه الحجاج من إخواننا المسيحيين العرب, او زوار اولى قبلتي المسلمين وثاني حرميهما, فالخوف من تهمة التطبيع جعل الأقصى نسيآ منسيا, في عقول بعض المسلمين, اذ لا يخطر على بال هذا البعض ألاّ يوم ذكرى إحراقه, في الوقت الذي أصبح فيه, نهبآ للمتطرفين من أدعياء اقامة الهيكل المزعوم .. فالأقصى ليس جغرافيا إسرائيلية حتى يتهم زائره بالتطبيع. والجفري اجتهد وكسر جدار إحجام علماء الدين عن زيارة الحرم القدسي الشريف, وان كان لم يصب في ذلك كما يرى البعض فأقله حاز اجر واحد, وفق حكم الاجتهاد في الحديث النبوي الشريف!