لماذا فشل مهاتير محمد في اليمن ؟
بقلم/ نجيب عسكر
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و يوم واحد
السبت 16 يونيو-حزيران 2012 08:03 م

مع التقدير الكبير للرجل العظيم الدكتور والخبير الاقتصادي والسياسي مهاتير محمد صانع نهضة ماليزيا ، وعدم الاستهانة بمشورته التي طُلب منه تقديمها لحكومة الوفاق اليمنية ، فمن المؤكد أن اليمن مليء بأمثال مهاتير محمد وعددهم بالآلاف ، وربما يتفوقون عليه كفاءة وتخطيطاً ورغبة في إعادة أمجاد اليمن والصعود به إلى قمة المجد ، لكن الرجل الرائع الذي أثبت جدارته في بناء ماليزيا وانتشالها من الوحل ، واستطاع أن يؤسس قواعد علمية واقتصادية وسياسية واجتماعية جعلت ماليزيا تسير نحو الرقي والتقدم بثبات ، وتحقق نهضة شاملة في مختلف المجالات ، ذلك الرجل لن يستطيع أن يقدم لليمن أي شيء للأسباب التالية :

- أهم عوامل التقدم التي يحملها مهاتير محمد وبدأ بنتفيذها عندما قاد نهضة ماليزيا هي التعليم وبناء الإنسان أولاً ، ومن يملكون زمام الأمور في اليمن لايؤمنون بالعلم والمتعلمين ولا يعملون شيئاً لأجل التعليم إلا بالحدود التي تخدم جهلهم وبقاءهم في مناصبهم ، ولذا فقد تم إقصاء كل مبدع ومخطط وعبقري ؛ حتى لاينافسهم يوماً من الأيام ، ويتسبب في إزاحتهم عن مواقعهم ، وكل من يقدم خطة ناجحة في أي مرفق حكومي ، يضعون خطته في الأدراج ويضعونه على الرصيف ، ويعتمدون في كثير من الأمور على أجهل القوم وأصحاب النفوس الدنيئة والقابلين للمهانة .

- مهاتير محمد يده نظيفة وجيبه نظيف وصفحته بيضاء ، فكيف يستمع لمشورته ويعمل بها من كانت يده ملوثة وجيبه متسخ وصفحاته كلها سوداء .

- مهاتير محمد يؤمن بالتخطيط ، والعمل المنظم ، والمسؤولون في اليمن يؤمنون بالحظ ودعاء الوالدين ، والعشوائية ولكل حادث حديث .

- فكرته أن لا استثمار ولا رخاء اقتصادي بدون استقرار وأمن وهيبة دولة ، والواقع الذي تعيشه اليمن أن لا استثمار إلا بشراكة مع اللصوص ، وهيبة اللص وقاطع الطريق أكبر من هيبة الدولة ، ويستطيع أحقر الخلق أن يقطع ويدمر شبكة الكهرباء أو أنبوب النفط عند بوابة أكبر قاعدة عسكرية دون أي ردة فعل .

- مهاتير محمد يرى أن الحكومة والدولة بكاملها وجدت لخدمة الشعب ، والدولة اليمنية ترى أن الشعب وجد لخدمتها .

- مهاتير محمد مقتنع تماماً أن التعايش بين أفراد المجتمع أساس العيش الكريم ودعامة كبرى لبناء المستقبل المنشود ، وعتاولة الحكم لدينا مقتنعون أن إثارة النعرات المناطقية والقبلية والحزبية والطائفية ، وإشغال الناس بالصراعات الجانبية هي الدعامة الأساسية لبقاء حكمهم وديمومة سلطتهم.

- عقيدته القبول بالآخرين واحترام حقوقهم وآرائهم ، وعقيدة الراسخين في الكراسي الإقصاء والتهميش وعدم القبول بالرأي الآخر وتوزيع الاتهامات المختلفة على كل من يعارضهم .

- المسؤول من وجهة نظره يجب أن يعمل لأجل المستقبل السعيد ، والمسؤول في اليمن يجب أن يعمل لأجل الإبن والحفيد .

- هو يدعو إلى منهج الشفافية والمصداقية والاعتراف بالفشل والعمل على معالجته ،والعمل بروح الفريق الواحد ، والمعتّقون لدينا منهجهم السرية في كل تعاملاتهم ، وعدم الاعتراف بالفشل ، والكذب ، وتزوير الحقائق والتضليل ، والعمل الفردي .

- القناعة لديه كنز لايفنى ، ولاقناعة لدى المسؤولين اليمنيين بنهب الكنوز حتى تفنى.

- الوقت عنده من ذهب ويرى أن المسؤول مشغول باستمرار إما في التخطيط أو المتابعة أو الخدمة المباشرة للمواطن والوطن، والوقت لدى المسؤول اليمني أغلى من الذهب ويجب أن يكون مشغولاً عن المواطن إما بالرحلات الخارجية أو مهرجانات التكريم المزيفة أواستقبال الضيوف والمقربين .

- كان يعتقد أنه سيرى شعباً متسلحاً بالعلم والوعي متمسكاً بتاريخه وحضارته ، يتقبل منه المشورة ويعمل بها، فوجد شعباً متسلحاً بكل أنواع الأسلحة عدا العلم ؛ لأن السلاح يضمن لصاحبه الحصول على الأموال التي يريد عن طريق الاختطاف أو التقطع أو الحصول على وظيفة أو على أرفع المناصب في الدولة ، بينما من يحملون أعلى الشهادات العلمية لايحصلون إلا على الفتات .

- أراد أن ينمي روح التنافس على البناء ووضع قواعد إنقاذ لليمن واقتصاده المتردي ، فوجد روح الصراع بين فرقاء العمل السياسي الذين يقودون البلاد إلى المجهول ، ويحمون قواعد التخلف والجهل والدمار .

- الخلاصة أن الدكتور مهاتير محمد جاء يقدم مشورته لحكومة باسندوه ، ويبذل خبرته للشعب اليمني ، فوجد في اليمن خبرات كثيرة لكنها تختلف عن خبرته ، وتتناقض معها ، وآمن أن مصير أفكاره الفشل الذريع ، ولايمكن أن تستفيد منه اليمن ولو جاء ومعه كل خبراء العالم ، مالم يلتحق المسؤولون في بلادنا – أولاً – بدورات مكثفة في دروس التربية الوطنية الحقيقية ، ويؤمنون بحق الشعب في العيش الكريم ، ويتخلون عن جزء من جشعهم و أطماعهم القاتلة التي ان استمروا عليها فستحرقهم نيرانها قبل غيرهم ، وسينهدم المعبد على الجميع ، ولامفر لهم ، ثم يترك المعتقون في الكراسي مواقعهم للشباب الطامح في البناء والعمل ، ويتجهون نحو التخطيط والتنظيم ، ويتسلحون بالعلم ويسقون به عقول جيل المستقبل ، ويؤمنون أن الرجولة ليست بالشخيط والنخيط وكثرة المرافقين ومايحملون من سلاح ، والقدرة على النهب والسلب والسيطرة على حقوق الآخرين ، بل بما يملكون من عقول اقتصادية وإدارية وعلمية ، وما لديهم من خطط وبرامج قادرة على تحدي المستحيل .

أما مهاتير محمد فقد أرشدته خبرته ومعرفته إلى العودة من حيث جاء ؛ ليحافظ على سمعته التي يحظى بها في كل الدنيا ، وقد كسب الوقت وعاد مع أول رحلة إلى ماليزيا مذكراً اليمنيين بما قاله الله تعالى :( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ) الرعد11