العلمانية واقع عملي لا هرطقة دينية
بقلم/ د.عبدالصمد الصلاحي
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 25 يوماً
الثلاثاء 28 أغسطس-آب 2012 05:10 م

العلمانية مصطلح يسبب الكثير من الخوف لأدعياء الدين ليس بسبب انه سيفصل الدين عن الدولة ولكن لأنه سيحرم الكثير من أدعياء الدين من امتيازات شخصية يحصلون عليها وستلقي بهم خارج دائرة الأضواء حيث لا مال ولا أتباع ولا جاه او سلطان. وبينما نحن نظل رافضين لهذا المصطلح ونعتبره مدعاة للشرك بالله فإن الشعوب الأخرى التي قبلت به صنعت حضارة وصلت بهم إلى الفضاء وجلبوا لنا أدلة واقعية لحقيقة الوجود وعظمة الخالق بينما يفتقر رجال الدين للمشاركة في هذا الجهد العلمي او الحث عليه وفي الإتجاه الأخر فقد تركت للحكومات فرصة للعمل من اجل التنمية والبناء في جو يسوده الأمن والإستقرار وخلق بيئة استثمارية أمنة باعثة على الجذب السياحي والإستثمار الصناعي والتجاري والصحي والتعليمي.

واقعياً العلمانية لم تمنع في اروبا أن يكون الناس متدينين أو منعتهم من اعتناق الإسلام بل بالعكس أعطت المواطن الحق في إعتناق الدين الذي يراه مناسبا له دون المساس بالنسيج الإجتماعي للوطن وإثارة الخلاف بين المعتنقين للأديان ولم نسمع يوماً أن هذه الأنظمة العلمانية قد منعت بناء مسجداً او شخصاً من أداء الطقوس الدينية مع ملاحظة أن الأنظمة العلمانية في هذه الدول سحبت البساط من تحت أقدام رجال الدين الذين وقفوا عقبة أمام تقدم العلم وأقفلت الباب أمام تحول إعتناق المذاهب والإديان إلى صراع يفضى إلى الخلاف بين أبناء الشعب الواحد ولم تنتقص مواطنة الفرد المسلم او اليهودي او حتى الغير متدين فكلهم أبناء شعب واحد لهم حقوق وعليهم واجبات..

إن العلمانية لا تنكر وجود الله ولا تتنكر للأديان بل تنظم التدين وتهذبه وخير مثال لذلك ما كان سائداً في العراق في ظل نظام العلمانية حيث لا سنة ولا شيعة وماهو قائم الآن من تصفيات واختلاف مذهبي أدى إلى إراقة دماء أبناء الشعب الواحد. إنها تؤمن بأن الله واحد ولذلك فمن الأولى أن يكون الشعب مسايراً لحقيقة الوجود الإلهي ولذلك لا يوجد مبرراً للإختلاف في عبادته والحقيقة أن الدين لم يأتي لتختلف الناس بل أتى لتوحيد الناس وتاسيس بيئة تحقق الغاية من وجود الإنسان على وجه الأرض وهي العبادة والإعمار.

إن وضعنا الحالي في الوطن يسقط إدعاءات القائلين بضرورة تطبيق شرع الله فهم بعيدين كل البعد عن ذلك بل شاركوا في تقسيم أبناء الوطن الواحد بين سنة وشيعة. هذه القوة الدينية لم تعمل على تقريب الفوارق بين الطبقات ولم تحل قضية الإمتيازات التي يتمتع بها افراد على حساب انتقاص مواطنة أفراد أخرين كالامهمشين مثلاً , بل أنها تضم في عضويتها شيخ القبيلة ورجل الدين والقائد العسكري ليس بصفتهم كأفراد ومواطنين عاديين بل بصفتهم كأفراد لهم اتباعهم وقوتهم ونفوذهم الإجتماعي وتأثيرهم في مصدر القرار.

إن العلمانية تتخذ قرارات الحرب كما تتخذ قرارات البناء والتنمية فليس هناك حاجة لها في الأمور التي تتصف او ترتقي إلى جريمة الخيانة العظمى فهي محددة بالدستور, وهي كذلك تفرض نظاما مدنيا يقوم على أساس احترام حقوق الإنسان و المواطنة المتساوية وهي تؤمن بالمساواة والأخوة بين أبناء الوطن الواحد تماماً كما ساد مجتمع المدنية تحت قيادة الرسول الأعظم. وهي كذلك تؤمن بدستور وقوانين مستمدة من عقيدة الشعب ولكنها مع هذا تؤمن بسن القوانين الوضعية التي لم يرد بها نص في الكتاب والسنة كالقانون البحري وغيره وعلى سبيل المثال و كذلك القوانين الوضعية لا تتعدى الحدود الدينية فمثلاً هناك حداً على شارب الخمر لكن لا يوجد حداً على بائعه وهنا العلمانية تأتي بقانون وضعي يفرض غرامة على بائع الخمر متفقة بذلك مع مقصد الشريعة في تحريم الخمر. من الناحية الأخرى لا تقف العلمانية حجرة عثرة أمام تطبيق حدود الله طالما انه منصوص عليها في الدستور الذي في الحقيقة سوف يتم عليه الإستفتاء من قبل شعب بأكمله وهنا تأتي حقيقة أنه لا داعي للتبريرات الدينية لما هو اصلاً في الدستور وثابت في القانون.

العلمانية لها أولويات تقتضي البدء بتوفير الحاجات الأساسية للمواطن وتؤمن له الخدمات الصحية والتعليمية ولذلك فهي تبني المدرسة والجامعة قبل المسجد وفي نفس الوقت لا تمنع الناس من ارتيادها وهي تهدف إلى التكامل والتعاون والتعايش مع المجتمعات الأخرى والتعامل معها والإستفادة منها بما يتفق مع مبدأ الأصالة والمعاصرة .

إن العلمانية في الحقيقة تقنن دور رجال الدين وتؤمن بالتخصصات فلا داعي لفتوى رجال الدين بقضية الزواج المبكر طالما أن هناك متخصصون يستطيعون إيضاح أمكانية الزواج المبكر من عدمه. من الناحية الأخرى فالعلمانية أهدتنا الديمقراطية التي تجعل رجل الدين يصل إلى البرلمان فيسن القوانين ويراقب أداء الحكومة فيضمن بذلك ايجاد منضومة قوانين دينية وهنا يسقط الإدعاء وتسقط نشاطات رجال الدين في الإفتاء والتدخل في كل صغيرة وكبيرة فهم ليسوا حريصين على عقيدة الأفراد أكثر من حرص الفرد نفسه على عقيدته.

إنها ترى أن دور العالم الديني يقوم على الأخذ برأيه والرجوع إليه في الأمور التي تحتاج إلى تبرير ديني في قضية الحلال والحرام تماماً كما يتم الرجوع إلى المختصين في نواحي الحياة المختلفة وهي تشدد على أن يكون رجال الدين منضوين تحت مؤسسة إفتاء متخصصة موحدة تؤمن للفرد المسلم الحصول على فتوى بكيفية الوضوء والصلاة وليس بكيفية حمل البندقية والقتل وهي كذلك لا تبيح قتل رجال الدين ولا تحضر نشاطهم ولا تمنعهم من الإرشاد والتوجيه للمواطن بل حددت ملامح هذا التوجيه والإرشاد الذي يقوم على أساس توجيه المواطن للمشاركة في البناء وتعميق الولاء للوطن قبل الولاء لرجل الدين الذي أصبح غولاً في وطننا له أتباعه وأنصاره وأمواله التي تجعله من جماعات الضغط للحصول على مصالح شخصية او المشاركة في القرار السياسي.

abobashar2050@gmail.com

عودة إلى كتابات
الأكثر قراءة منذ أسبوع
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
  أحمد الجعيدي
حرب المسيّرات.. التكنولوجيا التي أعادت تشكيل وجه النزاعات العسكرية
أحمد الجعيدي
كتابات
د. واعد باذيبسلامات ياسين
د. واعد باذيب
عارف الدوشهيبة الدولة
عارف الدوش
د. عبد الملك الضرعيمشاهد من موكب شيخ نافذ!!!
د. عبد الملك الضرعي
خذ وهات ... !
علي بن عبدالله
مشاهدة المزيد