لا للفيدراليه .. نعم للفيد له!
بقلم/ عبدالقوي الشامي
نشر منذ: 12 سنة و 6 أيام
السبت 17 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 06:31 م

سيناريوهات الحوار التي يسوّقها طرفا الإئتلاف الحاكم, تُحث الجميع على الإنخراط كيف ما كان وعلى ما لا يُقبل فظاهر الفكرة: سانحة وطنية تؤسس لدولة حديثة فيما باطنها فرصة حزبية لإنقاذ النظام القائم, فالمؤشرات تشي بغياب الرغبة في الإنخراط بجهد حواري جاد يُعنى بالبحث في حلول عادلة, وإنما في جولات من الخطابة تضفي شيءً من الـ(بروبجندا) حول ديمقراطية النظام وضرورات الحفاظ عليه, أي أن الجهد ملتبس بغياب الحد بين النظام القائم والوحدة المُستهدفة, وغياب السقف إتساقاً مع رغبة جنوبية, أثمر قفّلاً للأفق بل واستدعاء لشيطان التفاصيل المُسلحٌ بتحريم فكّ الإرتباط, بتجريم الإتحاد الكونفدرالي, برفض الفدرالية الثنائية وبإدانة المتعددة الأبعاد .. شيطان لا يقبل بغير الفـيِّد له

في الفضاء الكل يتحدث عن مركزية القضية الجنوبية, وفي القاعات تطرح كـ(إحدى المشاكل التي نشبت في اليمن العام الماضي) كما نقل موقع (حوار برس) في 1 نوفمبر الجاري عن سفير أمريكا في صنعاء السيد جيرالد فايرستاين, مع إن الرجل يدرك أن القضية أنتجت حراكاً شعبياً يتواصل للعام السادس ولا يمكن التعامل معه كـ(تمرد الحوثيين في صعده) كما جاء على لسان المندوب الأممي السيد/ جمال بن عمر لـ(سكاي نيوز) في 22 إكتوبر الماضي, ومع ذلك يبدو أن دوافع البحث عن نجاح قد برر للمبعوثين: الخلط بين الشعب والأسرة, بين الحراك والتمرد في خلط ما لا يقبل الخلط السلمي والعسكري, رُغمّ إدراكهما أن قضية الجنوب بذاتها رتبت سلمياً لذاتها مزاج عام داخلي وخارجي ضاغط تجاه الحل العادل, لكن سُبلها تعثرت بمزاج خاص يرى في إحقاق الحق نهايته, لذا إسّتحضر حَلَّه المعهود: قنبلة صوتية تُفجَّر في قاعة حوار, ورشة عمل أو في صالة (ترانزيت) مع مساحة للخيِّر من الجهود كالعادة سيتم إفراغه بعد إستثمار الفرقعة, لا يهمّ العُلوّ فغياب السقف يُفقد الصوت الصدى, المهم .. لا إستحقاقات مُلزمة .. لا مسئوليات مباشرة وعلى الأكثر تكون مناسبة لذرِّف الدموع, وبعد المآتم تُسِّجل القضية الجنوبية ضد مجهول, وكفي الله جماعات الفيد شرّ الحلول المنصفة.

  أما القول بتوافر المناصفة في تركيبة اللجنة بين الجنوب والشمال. ففيه شيء من شكل الحقيقة أما مضمونها فلا يعكس الإرادة الجنوبية بأيٍ من أحوالها, وتحديداً الذين فاض بهم الإرتباط بـ(سيستم) الفيد, وحتى لا يكون الطرح مجرداً أقترح على رئيس لجنة الحوار: توزيع 27 استمارة على أعضاء لجنته قبل الإضافات الأخيرة, يحددوا خياراتهم بين الوحدة وفك الإرتباط, لن يتفاجأ بنتيجة 100% مع الوحدة وإن: تِمشَّقر البعض بـ(لكن) الشرطية لحل القضية الجنوبية تجنباً لعتبٍ, ومرد النتيجة الوحدوية المقفولة أن الإختيار تم عبرّ فرَّازتها. بالمقابل أدعو لجنة للإنتخابات العليا إستفتاء 4 مليون جنوبي في الداخل والخارج فسيُفاجأ غيرُ اليمنيين بـ90% رفضاً للوحدة أما اليمنيين فيدركون الدور الهدام لمحورها (العسكرقبلي) وعجز سلطتها الإنتقالية في إحداث تحول جنوبي داعم والفشل الذريع في إقناع القيادات الجنوبية المنفية في الخارج بإخلاص نوايا من يقف وراء الستار.

إن شئتم تجاوز الرئيس الجنوبي علي سالم البيض لما يشاع عن تقاربه مع إيران, فبماذا تفسرون موقف الرئيس الجنوبي الأسبق على ناصر محمد؟ لا أظن أياً يستطيع المزايدة على وحدوية الرجل الذي آثر الغُربة بعيداً عن الوطن والأهل كي لا يكون عائق, رغم كونه الرئيس الذي وقع على دستور الوحدة وأعاد الحياة للجانها العام 79 وفعَّل اتفاقية القاهرة وبياني طرابلس والكويت, مما مهد الطريق لقيامها العام 90م, كما ويحضى بإحترام واسع جنوباً وشمالاً..على ذات الصعيد كيف تفسرون موقف المهندس حيدر العطاس أول رئيس وزراء لدولة الوحدة وهو الرجل الذي نافح كثيراً في وجه القبائل والعسكر وتحمل (رزَّالاتهم) بهدف الحفاظ على الوحدة, ومعروف عنه بعد النظر والحنكة الإدارية, وهو القُدرة التي اختبرت بين (90 - 94) والحيز لا يتسع لسرد الأمثلة.

فإذا كانت الجهود قد فشلت على كل هذه الصُعد! فحول ماذا يتحاور المتحاورون؟ وعلى من وماذا تُعلق إحتمالات النجاح لحوارٍ تم تضييق قوسه لحدٍ طابقهُ مع حوار الطرشان بين المؤتمر والمشترك بين (2006 - 2011), الحوار الذي أنتج ثورة الشباب السلمية في الشمال؟ فالآليه ذاتها كذلك القائمون مع تحسينات هدفت الشكل. والأهم الضمانات: فمحاولات المبعوث الأممي لم تحقق أي إختراق نوعي في جداري العسكر والقبائل لذا من السذاجة الإعتقاد بمئآل يختلف عن مئآل وثيقة (العهد والإتفاق) التي وُقِعت في عمّان ابريل 94, وأي حديثٍ عن ضمانة مجروح بتمترس مُسَّلح وشحن مذهبي يتدثران ستار الإنتقالية, المرحلة التي يُعدانها إستراحة محارب, بعدها يتقاسمان السلطة والثروة وفقاً لِضَرَّاواتِ إجترحاها في حروب: صعدة, الحصبة, جبل الصمع أرحب وخطوط تماس ساحات 60 × 70 التي اُجْبِرا على خوضها كطرفين مُتضَّادين رُغم كونهما أَصحاب مدرسة فيد واحدة

وهذا هو الهَّاجِس الذي يلح بالفكاك على الجنوبيين , فالعلاقات الإجتماعية في الجنوب غادرت عقلية الفيَّد المتخلفة في القرن 19 مع دخول الاستعمار البريطاني لعدن (1839-1967) صحيح أن الجنوبيين تقاتلوا لمرتين في 79 و 86 ورُغم دموية المقتالتين التي طالت الحزبيين والعسكريين دون المواطنين إلاّ أنه لم يحدث نهب لا خاص ولا عام وتوقف القتل بإنتهاء المواجهة, من هنا جاءت صدمة أهالي الجنوب بإستباحة دماءهم وممتلكاتهم العامة والخاصة نهباً ومن ثم حرقاً خلال وبعد حرب 94..شخصياً كنت شاهد عيان على نهبٍ منظم في مواقع عدة في عدن وأكثر ما أذهلني منظر الجنود وهم ينهبون روضة أطفال في(المعلا) مع إبتهال لـ لله عند رفع الأثاث بـ(يامُعين) او ذاك الذي ركن سيارته المشحونة بكراتين مسحوق الصابون (ابو بس) المنهوبة من مستودعات شركة التجارة الداخلية ودخل لأداء صلاة العصر في المسجد المجاور..المرعب أن كل ما نهب من الجنوب (سلاح, مال, سلع وأصول ثابتة ومتحركة) بالنتيجة لم يستقر في الجنوب مما يؤكد أن حلف الفيد هذا لا يُعني بأي نظام وإنما بديمومة نظام الفيِّد له.  

فكلما قلب المرء صفحات هذا الحلف الذي نحر الوحدة بالحرب العام 94م, يصاب بحالة إنفصام في مشاعر الإنتماء لوطن يجمعه بقومٍ لا يُصدَّق لهم وعد ولا يؤمن لهم جانب, فإن كُبارهم يرفضوا إعادة مسكن الرئيس فهل نتوقع أن يعيدوا حقاً لمواطن بحوار أو بغيره.. فالظلم ظلمات والمرء عندما يُظلم, يجوَّع ويُشرَّد عنوة وتنهب ممتلكاته وتصادر حقوقه في الوظيفة, الرأي والوطن يفقد الثقة بالجميع.. جدير الخِتام بـ(مسك) وزارة شئون المغتربين التي مهدت للحوار بتعميم يحدد تسعيرة التنازل عن الجنسية بـ 50 الف ريال يمني, كما جاء في موقع (مأرب برس) في 4 الجاري, أي 220 دولار أمريكي, والتزامن ليس صدفه في عُرف صاحب لا حوار على غير الفيد له!