دلالات وابعاد التقارب السعودي الاماراتي مع تركيا
بقلم/ د. عبده البحش
نشر منذ: 3 سنوات و 7 أشهر و 16 يوماً
الخميس 08 إبريل-نيسان 2021 07:10 م
  

يبدو أن المصالحة الخليجية التي أعلنت إنهاء الخلاف بين كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، في قمة العلا بالسعودية، مطلع يناير الجاري، فتحت الباب على مصراعيه أمام عودة علاقات الرياض وأبوظبي مع تركيا، التي تأثرت كثيراً لأسباب عديدة. العلاقات الطويلة بين الدولتين الخليجيتين وتركيا، التي تتخللها اتفاقيات استراتيجية وتجارية متبادلة منذ سنوات، أخذت تعيش سلسلة اضطرابات وخلافات قائمة على العديد من قضايا الشرق الأوسط. وقوف تركيا إلى جانب قطر في الأزمة الخليجية تسبب في تأزم العلاقات، لتشهد لاحقاً شرخاً عميقاً، بين أنقرة والرياض، على خلفية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول في أكتوبر 2018، فضلاً عن تأزم العلاقات بين ابو ظبي وانقرة بسبب الموقف التركي الداعم للاخوان المسلمين والتدخل المباشر في ليبيا.

هذه المقالة تدرس أبعاد التقارب في العلاقات السعودية الاماراتية مع تركيا بعد التوتر، الذي ساد في السنوات الاخيرة. تركز هذه المقالة على الاسباب، التي أدت الى هذا التقارب المفاجئ. وعلاة على ذلك تركز الوقة على الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة لهذا التقارب على مجريات الحرب في اليمن، لا سيما وان انقرة أدانت الهجمات الحوثية الاخيرة ضد المملكة العربية السعودية، واعلنت تركيا بشكل واضح وقوفها الى جانب الرياض في هذه الحرب. وبالتالي، فان هذه المقالة تستكشف امكانية التعاون التركي السعودي ضد الحوثيين سواء من خلال تزويد السعودية بالطائرات المسيرة والاسلحة الحديثة او التدخل المباشر.

ملامح التقارب السعودي-الاماراتي مع تركيا

في وقت سابق من شهر فبرارير 2021م، نشرت وكالة الانباء الامريكية بلومبرج تقريرًا بعنوان "الخليج يتواصل مع أردوغان بحذر: تحرك لتخفيف التوترات". ويشير التقرير إلى نوع من التقارب المحتمل بين المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة من جهة وتركيا من جهة اخرى. التقارير الإعلامية في المنطقة حملت تلميحات إلى أن جبل الجليد يذوب بين تركيا والحلفيين الخليجيين الفاعلين في حرب اليمن. جوهر تقرير بلومبرج هو أن "ابو ظبي والرياض تتمسكان بإمكانية إقامة علاقات أفضل مع أنقرة يمكن أن تفيد التجارة والأمن في منطقة مضطربة". وخلص التقرير إلى أنه من المحتمل أيضًا أن يتعثر التقارب نتيجة إصرار الثنائي الخليجي على أن تكبح تركيا دعمها للإخوان المسلمين. دأبت وسائل الإعلام التركية ووسائل الإعلام العربية المتعاطفة معها على الترويج للادعاء بأن مسؤولين سعوديين واماراتيين قد اجتمعوا مع نظرائهم الأتراك في محاولة لاستعادة العلاقات بعد قمة مجلس التعاون الخليجي في 5 يناير 2021م، التي أعلنت نهاية مقاطعة قطر من قبل الرباعية العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

         هناك تحول في سياسة الخليج، خاصة مع الإدارة الأمريكية الجديدة في البيت الأبيض. وقد انطوى هذا على ضرورة الاستعداد للتحديات الإقليمية دون إطالة أمد الصراعات الداخلية من أزمة قطر إلى الحرب في اليمن. شعر السعوديون بالحاجة إلى إعادة تأكيد موقفهم كقادة لدول مجلس التعاون الخليجي عندما عاد الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المفاوضات مع طهران. وتحرص الرياض على إدراج برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني في أي صفقة تفاوضية بين الولايات المتحدة وإيران. إن البراغماتية في السياسة تعني الحاجة إلى التحلي بالمرونة الكافية لإجراء تحولات تكتيكية دون المساومة على المبادئ الأساسية. قد تحتاج إلى الانخراط لتغيير مواقف الآخرين بشأن القضايا المثيرة للجدل. خذ جماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال. المبدأ الأساسي هو أن الجماعة مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل العديد من البلدان في المنطقة. هذا لن يتغير. إن البراغماتية تعني أنك تتوصل إلى حلول وسط لتقليل الدعم الذي تحصل عليه جماعة الاخوان من دول أخرى في المنطقة.

         مع إعلان إدارة الرئيس جو بايدن انتهاء الدعم الأمريكي للحملة العسكرية، التي تقودها السعودية في اليمن، وإلقاء نظرة أكثر دقة على مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الرياض، واتخاذ قرار برفع السرية عن تقرير استخباراتي حول قضية مقتل جمال خاشقجي، ربما تتجه الرياض نحو التقارب مع انقرة من أجل الحصول على مزيد من الخيارات في المنطقة وسط فترة من عدم اليقين في العلاقات الامريكية السعودية. في نوفمبر من العام الماضي، ناقش كبير الدبلوماسيين في أنقرة مولود جاويش أوغلو ونظيره السعودي العلاقات التركية السعودية بالإضافة إلى القضايا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وصرح اوغلو ان الشراكة القوية بين تركيا والسعودية لا تخدم البلدين فحسب وانما تفيد المنطقة بأسرها. جاءت هذه التبادلات الإيجابية في أعقاب دعم الحكومة السعودية لتركيا بعد الزلزال، الذي ضرب تركيا واليونان في أواخر أكتوبر 2020. التسريبات الأخيرة تشير إلى فرصة للتعاون التركي السعودي في اليمن، بدءًا بصفقة طائرات بدون طيار تركية الصنع، والتي يبدو أن الرياض مهتمة بشرائها بعد أن أثبتت الطائرات المسيرة فعاليتها في ليبيا وأذربيجان. تعترف كل من أنقرة والرياض بشرعية عبد ربه منصور هادي كرئيس لليمن، ويحافظ كلاهما على مستويات متفاوتة من العلاقات مع حزب الإصلاح، وهو صديق للأتراك ومنافس للحوثيين، الذين يحاربهم التحالف بقيادة السعودية.

من المنطقي أن نفترض أن المملكة العربية السعودية وتركيا قد تتصرفان بشكل مختلف في فترة ما بعد ترامب وترى أنهما ستكسبان أكثر مما تخسران من خلال تغيير مسار العلاقات الثنائية بطرق تؤدي إلى علاقات أكثر دفئًا. تواجه القيادة التركية أيضًا حقائق رئاسة بايدن التي يمكن أن تخلق معضلات لأنقرة، مثل الروابط الدفاعية بين تركيا وروسيا، والتوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط، ومسائل حقوق الإنسان. وبالتالي، ترغب أنقرة في تحسين العلاقات مع كل من السعودية والامارات من أجل مواجهة مشاكل تركيا المحتملة مع القيادة الجديدة في واشنطن. في الوقت نفسه، فإن تخفيف التوتر في العلاقات الخليجية القطرية يمكن أن يبشر بالخير ويدعم التحسينات في أنقرة والشؤون الثنائية للرياض. والآن بعد أن كانت هناك مصالحة خليجية عربية جزئية، يمكن للأتراك تحسين علاقاتهم مع الرياض وابو ظبي دون الاضطرار إلى القيام بذلك على حساب تحالف أنقرة-الدوحة. من الواضح ان تركيا تسعى حاليا الى التقارب مع الرياض وابو ظبي لاعتبارات عديدة تعود على أنقرة بالنفع. هذه الرغبة التركية عبر عنها وزير الخارحية مولود تشاويش أوغلو في تصريحات حصرية للأناضول والتلفزيون التركي في 12 مارس 2021م.

أسباب التقارب السعودي-الاماراتي مع تركيا

يبدو أن متابعة وسائل الإعلام في كل من السعودية وتركيا بات ضروريا، لفهم سياستهما الحالية، وماهية العلاقات التي يسير بها الطرفان، وما إذا كانت قد تغيرت، وخاصة في آخر شهر من العام الماضي 2020م، بعد ظهور مؤشرات ايجابية في الأيام الماضية من الطرفين، اعتبرها محللون ومراقبون أنها خطوات لإعادة تطبيع العلاقات، ولفتح صفحة جديدة، استعدادا لمواجهة الرياح العاتية للرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن. وثمة رؤية أخرى طرحها مراقبون ومحللون أتراك، حين اعتبروا أن ما شهدته الأيام الماضية من المؤشرات الإيجابية بين أنقرة والرياض لا تصب في إطار تقارب كامل بينهما، بل هي عبارة عن عمليات جس نبض واستكشاف، من أجل الاستعداد لما ستكون عليه الأيام المقبلة، خاصة مع قدوم بايدن، الذي كان قد وجه رسائل تهديد لكل من تركيا والسعودية في أثناء حملته الانتخابية. وفي الوقت نفسه وعلى الرغم من السير باتجاه التقارب، يشير محللون إلى أن السعودية غير قادرة أن تأخذ القرارات لوحدها، لذلك لابد أن تتشاور مع حلفائها في المنطقة، لا سيما الحليف الاستراتيجي الامارات العربية المتحدة.

تعاني كل من السعودية وتركيا من تداعيات متغيرات يفرضها واقع تراجع الاقتصاد العالمي جراء انتشار جائحة كورونا على الدول المرتبطة بمصالح مشتركة لتصفية خلافاتها العالقة، وضرورة إعادة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها، وكذلك مع الدول الأخرى وإنهاء التوترات الإقليمية وتخفيف حدة الصراعات في ساحات عدة ذات اهتمام مشترك مثل سوريا واليمن وليبيا وغيرها. وعلى ما يبدو، فإن زيادة التهديدات الإيرانية، التي تتعرض لها السعودية عبر القوى الحليفة لها، جماعة الحوثي وغيرها، تفرض عليها تخفيف التوترات مع الدول الإقليمية الفاعلة، ومنها تركيا التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع إيران. من منظور واقعي، لا يطمح البلدان لتطوير علاقاتهما إلى ما يشبه التحالف الاستراتيجي، لكن كل منهما يسعى لتخفيف الآثار الضارة لسياسات المناكفة المتبادلة، والتدخل والانحياز إلى طرف ضد آخر في الصراعات التي تشهدها المنطقة، بالإضافة إلى سياسة الاستقطاب الدولي والإقليمي، ودخول هذه الدولة في محور مضاد ومنافس للمحور الآخر. في تطور لافت، اعلنت كل من أنقرة وأبو ظبي تصريحات ايجابية فيما يخص التقارب في العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث عبر الطرفان عن رغبتهما في تحسين العلاقات وتخفيف حدة التوترات.

قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده تلقت رسائل إيجابية من دولة الإمارات العربية المتحدة، وأكد ان بلادة مستعدة للرد بايجابية على تلك الرسائل. وكان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، قال في وقت سابق أن بلاده لا ترى أي سبب للاختلاف مع تركيا. فلا توجد مشاكل حدود، ولا توجد أي مشاكل أخرى. وأكد قرقاش أن المؤشرات التركية الأخيرة بالانفتاح مع أوروبا مشجعة. وطالب الوزير الاماراتي تركيا التوقف عن دعم جماعة الاخوان واعادة ضبظ البوصلة في علاقاتها العربية. وأضاف نريد علاقات طبيعية مع تركيا، فهي الشريك التجاري الاول للامارات في الشرق الاوسط مبينا ان أبو ظبي لا تعتز بأي عداء مع أنقرة. في الواقع، ووفقًا لآخر استطلاع عربي شامل، فإن سياسة تركيا الخارجية هي الأكثر إيجابية في المنطقة مقارنة بسياسة فرنسا وأمريكا وإيران. غالبية العرب يرون أن تركيا هي الدولة الأقل تهديدًا لهم، بينما بريطانيا والولايات المتحدة وإيران هي الأكثر تهديدًا. الإمارات العربية المتحدة شريك تجاري أكبر، حيث تبلغ قيمة التجارة السنوية مع تركيا أكثر من 8 مليارات دولار، في حين أن التجارة بين تركيا والسعودية تبلغ أقل من 5 مليارات دولار في السنة. تركيا حريصة على استعادة علاقات تجارية واستثمارية قوية مع دول الخليج.

هناك ضغوط خارجية وداخلية على تركيا، ولا ننسى أن الجانب الخارجي مهم لها؛ فهي حققت نجاحا مذهلا وجيدا في الحرب الأذرية الأرمنية، وتريد المحافظة على هذا النصر والربط الجغرافي المستقبلي مع أذربيجان، ومن ثم فهي في هذه الحالة بحاجة الى السعودية، التي تمثل الثقل الإسلامي ومركز القرار العربي. وبحسب مراقبين فإن مبادرة أردوغان بالتواصل مع قادة الرياض وأبوظبي جاءت نتيجة ضغوط تمارسها جماعات تركية بارزة في مجال قطاع الأعمال، وذلك من أجل تحسين العلاقات التجارية مع دول الخليج، حيث تسبب تراجع الصادرات التركية إلى تلك الدول في تكبد التجار ورجال الاعمال الاتراك خسائر اقتصادية، في وقت تشهد فيه قيمة الليرة التركية تراجعا. حاجة المملكة العربية السعودية الى شراء الاسلحة الدفاعية التركية المتطورة سبب اخر يدفع الرياض للتقارب مع انقرة، حيث كانت السعودية قد وقعت العام الماضي عقداً مع شركة "فيستل" التركية للصناعات الدفاعية بقيمة 200 مليون دولار، وذلك في إطار التصنيع المشترك لطائرات مسيّرة من طراز "كاريال"، حسبما أوردت مصادر إعلامية تركية.

أبعاد التقارب السعودي-الاماراتي مع تركيا

في الاونة الاخيرة دار جدل واسع حول احتمالية حصول السعودية على دعم عسكري تركي لا سيما في مجال الطائرات المسيرة الهجومية، في العمليات العسكرية التي تقودها الرياض في اليمن، وتزامن ذلك مع التكهنات حول إمكانية حصول تقارب في العلاقات السياسية بين البلدين خلال المرحلة الراهنة. قد يكون من المحتمل ان تركيا بالفعل زودت السعودية ببعض الاسلحة، خاصة الطائرات المسيرة، لكن من المستبعد ان يكون قد تدخل الجيش التركي الى جانب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. من المؤكد أن أي قرار تركي للقيام بعمليات عسكرية خارج البلاد يحتاج إلى إجراءات دستورية قطعية لا يمكن للحكومة تجاوزها على الإطلاق تحت أي ظرف من الظروف، ويمر ذلك من خلال قيام الرئاسة بتقديم طلب رسمي للبرلمان مع توضيح مبررات هذا التدخل ويتم التصويت على الطلب في البرلمان الذي بيده قبول أو رفض طلب الرئيس. كل ما نستطيع قوله هو احتمالية وجود دعم تركي بالاسلحة والمعدات العسكرية وطائرات الدرون. هذا الاحتمال تعززه تصريحات المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع، الذي قال ان دفاعاتهم الجوية تمكنت من اسقاط طائرة تجسسية مقاتلة من نوع كاريال تركية الصنع تابعة لسلاح الجو السعودي أثناء قيامها بمهام عدائية في أجواء منطقة المرازيق في محافظة الجوف.

مع انه بات من شبه المؤكد ان التقارب السعودي التركي لم يرتقي الى حد المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية رغم اعلان انقرة الدعم السياسي لعاصفة الحزم التي اطلقتها الرياض، الا أن هذا لا يمنع امكانية المشاركة في العمليات العسكرية الى جانب التحالف الذي تقوده السعودية في المستقبل. المشكلة الحقيقة، التي تمنع تركيا من التدخل هي العامل الاقتصادي المتدهور، لكن اذا حصلت انقرة على التمويل السعودي المطلوب، فان الامور ستسير في الاتجاه الذي يتناعم مع الرغبة التركية في تعزيز دورها الاقليمي والتواجد عسكريا في مضيق باب المندب بالقرب من قاعدتها العسكرية الاكبر في المنطقة والتي توجد في الصومال. الغايات التركية من الدخول في خط الازمة اليمنية تتركز في عزم انقرة على استخدام حزب الاصلاح الفرع الحصري لجماعة الاخوان المسلمين في اليمن، كون الحزب يدين بالولاء للرئيس أردوغان، فضلا عن ان العديد من قادة الاصلاح يقيمون في تركيا. كذلك تعتزم تركيا الحضور في الملف اليمني لمواجهة منافسها الاقليمي ايران، عبر التقارب والتعاون مع أكبر قوتين في المنطقة هما السعودية والامارات.

في الحسابات المباشرة، فإن لكل من تركيا والسعودية مصلحة متبادلة في تطبيع العلاقات بينهما: يتوجّس الطرفان من السياسة الجديدة للرئيس الأميركي المنتخَب، جو بايدن. لذا، من مصلحة أنقرة والرياض التصالح وتشكيل جبهة موحّدة تقاوم ضغوط بايدن. للأتراك مصلحة مؤكّدة في علاقات جيدة مع السعودية. وعلى رغم إنجازات تركيا العسكرية في محيطها الإقليمي وتزايد حضورها في شرقي المتوسط والقوقاز، إلا أنها تعاني عزلة سياسية قاتلة، ولا تجد سبيلاً للخروج منها سوى التقارب مع الرياض. تعاني تركيا ضغوطاً اقتصادية قوية تؤثّر سلباً على مناعتها الاقتصادية، ومثل هذه المصالحة، تضخّ دماءً جديدة في شرايين الاقتصاد التركي عبرعودة الاستثمارات الخليجية. من الجانب السعودي، لا تزال قضية خاشقجي تلقي بثقلها على الرياض وعلى صورة ولي العهد محمد بن سلمان الذي تأثّر سلباً بالدعاية التركية والقطرية ضدّه.

وفي حال حدوث المصالحة، فإن هذه القضية ستكون حتماً ضمن بنود الصفقة، بحيث تطوي تركيا ملف خاشقجي بما يبرّئ ولي العهد محمد بن سلمان. وسيكون الرئيس التركي مستعدّاً بالكامل لمثل هذه المقايضة، في مقابل الثمن الكبير الذي سيحصل عليه سياسياً واقتصادياً، ومن خلال المساعدات المالية المباشرة. تبييض صفحة بن سلمان سيجعل طريق وصوله إلى عرش المملكة أكثر سهولة وخالياً من المعوقات. على الرغم من أن بعض المصادر غير الرسمية زعمت ان التقارب السعودي التركي سيكون على حساب الامارات، الا أن الواقع اثبت عكس تلك التوقعات تماما، فالتطورات الأخيرة في مضمار التقارب السعودي التركي عكست رغبة أنقرة في تحسين علاقاتها مع أبوظبي أيضا، وهذا مؤشر واضح يدل على أن التقارب التركي السعودي يسير في خط مواز للتقارب التركي الاماراتي. بالنظر الى العلاقة المتينة التي تربط بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، يصعب التكهن أن الرياض قد تتخلى عن حليفها الاستراتيجي في المنطقة.

الخاتمة

هناك جملة من الحقائق والمتغيرات السياسية الاقليمية والدولية، التي قادت الى التقارب السعودي التركي والاماراتي التركي، كان أول تلك التطورات هو المكالمة الهاتفية، التي اجرها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز لدعوة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لحضور قمة العشرين، التي عقدت في المملكة العربية السعودية. وبالرغم من أن تلك المكالمة كانت اجراء بروتوكولي روتيني، الا أنها أذابت جبل الجليد وفتحت الباب للتقارب السعودي التركي. تحديات ما بعد ترامب ووصول بايدن الى البيت الابيض ساهم في تسريع وتيرة التقارب، لا سيما وان بايدن افصح عن توجهاته غير الودية تجاه السعودية وتركيا، فالسياسيون الديمقراطوين ينظرون بازدراء الى كل من تركيا والسعودية على حد سواء.

المصالح الاقتصادية بين كل من تركيا والحليفين الخليجيين ساهمت ايضا بالدفع نحو تحسين العلاقات، لا سيما وان قيمة التبادل التجاري السنوي بين أنقرة وأبو ظبي تبلغ حوالي ثمانية مليارات دولار، بينما يبلغ قيمة التبادل التجاري السعودي التركي السنوي حوالي خمسة مليارات دولار. بالاضافة الى ذلك، لعبت المصالحة الخليجية بين قطر والرباعية العربية دورا حاسما في تطوير وتسريع وتيرة التقارب بين أنقرة وكل من الرياض وأبوظبي. يضاف الى ذلك الشعور التركي بالعزلة الدولية جراء النزاع مع اليونان وأوروبا بشأن شرق المتوسط، ولذا فان انقرة لن تجد خيرا من الرياض وأبوظبي للتخفيف من وطأة الضغوط الغربية.

المخاوف الامنية المشتركة، التي تهدد المنطقة، ولا سيما الملف النووي الايراني وبرنامج الصواريخ الايرانية البالستية وكذلك الهجمات الحوثية المتصاعدة ضد المملكة العربية السعودية في وقت عصيب يشوبه الغموض وعدم اليقين من استمرار الدعم الامريكي والاوروبي للرياض، مما يدفع الاخيرة للبحث عن حليف جديد يعوض امدادت الاسلحة ويشارك في حماية السعودية من التهديدات الخارجية المحتملة، لا سيما ايران وميليشياتها في المنطقة، حيث ان أنقرة هي الطرف الاقليمي القوى والمرشح لكبح جماح ايران في المنطقة. فالسعودية مهتمة بعقد صفقات استيراد الاسلحة التركية، لا سيما طائرات بيرق دار الشهيرة لمواجهة التهديدات الحوثية الخطيرة.