ما بين العلمانية الصهيونية والدين
بقلم/ عبد الباري طاهر
نشر منذ: 5 أشهر
الأحد 26 نوفمبر-تشرين الثاني 2023 02:42 م

منذ البذرة الأولى نشأت الصهيونية العالمية أو تكونت من خرافات تحويل الدين إلى قومية، وتجميع يهود العالم من أمم شتى، ومن شعوب الأرض إلى أمة وشعب تحت خرافة أرض الميعاد. 

 الأرض التي أعطاها الرب لابنه إبراهيم: "سأعطيك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير". (سفر التكوين، الإصحاح 15، الآية 18)، والأكذوبة الكبرى في الأيديولوجية الصهيونية مقولة: "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، هي أكذوبة أطلقها زعماء صهاينة: هرتزل، وإسرائيل زانجويل، وقد تعمد قادة الصهاينة العلمانيون والملاحدة الترويج لأسطورة الوعد الإلهي لشعب الله المختار

 فجولدا مائير العلمانية الآتية من الماباي (حزب العمل) لا تؤمن بمقولة شعب الله المختار، وتسخر منها؛ بل تذهب إلى القول: "نحن الذين اخترناه ووحدناه". أما هرتزل- رأس المؤتمر الصهيوني، فيقول: إنني لا أخضع لأي وازع ديني. (المصدر: ثيودور هرتزل، اليوميات، الناشر فيكتور جولانز، 1958، نقلا عن الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، روجيه جارودي، ص 24)

 أكذوبة شعب بلا أرض لأرض بلا شعب بدأت بفكرة أن أرض فلسطين قفر، ثم تحولت إلى المقولة الجهنمية التي نجمت عنها، وعن الوعد الإلهي أخطر كوارث العصر وأكثرها ضررًا ودمارًا، واحتلال شعب وتشريده.  

الأكذوبتان في ركني الجملتين: "شعب بلا أرض، لأرض بلا شعب" الأساس لنهج الترانسفير، وأساس لإنكار وجود شعب فلسطيني، وبداية حروب التهجير والإبادة، وقوانين الفصل العنصري المتمثلة بـ تعريف من هو اليهودي، وتجريم التزوج من غير يهودية، وقانون اغتصاب أراضي المزارعين العرب بالقانون الصادر في 20 يونيو (حزيران)، 1948، ومرسوم الأحكام العرفية الصادر في 10 نوفمبر تشرين الثاني 1948 بشأن أملاك الغائبين، وقانون مارس (أذار) 1950 بشأن أراضي الغائبين، وهناك ما يقرب من ثلاثين قانونًا كلها تكرس الفصل العنصري. 

والأخطر من ذلك كله المذابح الممنهجة منذ منتصف القرن الماضي، وإقامة البوتستات، والمستوطنات، وتهديم مئات وآلاف المنازل والقرى، وترويع السكان بالإرهاب والحروب؛ لإجبارهم على الفرار، إما إلى الشتات، أو داخل وطنهم. قامت الدولة الإسرائيلية أيديولوجيًا على هاتين المقولتين، وهي دولة أسسها الجيش الآتي من عصابات إرهابية: الهجاناه، والأراغون، وييتار، وشتيرن، ووظيفتها الأساس التطهير العرقي

وقد تواصلت المهمة (التطهير العرقي) بعد أن تحولت العصابات إلى جيش هو المؤسس للدولة الإسرائيلية. تراجعت الأمم المتحدة عن القرار (3379)، المتخذ في 10/ 11/ 1975 باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، والتمييز العنصري- تحت ضغط أمريكي، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وتراجع عربي. نهج الصهيونية عبر تاريخها الطويل، وممارسات إسرائيل، تجسد الطبيعة البشعة للتطهير العرقي، والفصل العنصري.

كما أن ازدواج المعايير كتعبير شائع، والنهج الممارس للأمريكان وأوروبا الاستعمارية- نهج عنصري بامتياز، أما الكيل بمكيالين، وهو، وإن كان تعبيرًا عن الظلم، إلا أنه يستخدم في التعامل المادي بالأساس. كما أن ازدواجية المعايير -التعبير الحديث؛ فمتعلق بالعلاقات الإنسانية، والتعاملات الدولية. علاقات أمريكا وأوروبا الاستعمارية ببلدان ما اصطلح على تسميتها بالعالم الثالث عنصرية في مختلف جوانبها.  

ما تقوم به دولة إسرائيل منذ منتصف الثلاثينات من القرن الماضي إرهاب راعب. تقتل عصابتا الارجون وشتيرن بقيادة مناحيم بيجن عام 1948- 360 شهيدًا، ويُمثَّل بهم، وتبقر بطون النساء، ويمنح جائزة نوبل للسلام كمثال فقط على ازدواجية المعايير. حرب ما بعد الـ 7 من أكتوبر أسقطت الأقنعة، وأكدت زيف الطبيعة الديمقراطية، ومجد الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان في الإدارة الأمريكية، والأنظمة الأوروبية. 

التيار الصهيوني بجناحيه: التوراتي، والعلماني يطلق أكذوبة قتل المدنيين، وقطع رؤوس الأطفال، واغتصاب النساء من قبل المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر؛ فيرددها الرئيس الأمريكي كتلميذ بليد، ورغم تكذيب الصحافة، ووكالة الأنباء للواقعة، إلا أن القادة الأمريكان والأوربيين ظلوا يرددون الكذبة المفضوحة؛ ليبرروا بها جريمة العصر غير المسبوقة. 

 تحت مبرر هذه الكذبة تشن حرب إبادة جماعية ضد غزة المحاصرة لـ 16 عامًا، ويقتل ما يزيد عن أربعة عشر ألفًا ثلثاهم من الأطفال والنساء، وتدمر المدن والملاجئ، ويشرد السكان، ويمنع عنهم الماء والغذاء والدواء والوقود، ويطال التهديد المستشفيات والمدارس والمساجد، وتؤيد الإدارة الأمريكية الديمقراطية هذه الحرب بالمطلق، وتشايعها أوروبا الاستعمارية، ويقف الخذلان والتواطؤ العربي منتظرًا النتائج، ويرفض حتى أبسط الإجراءات أو الاقتداء بما فعلته التشيلي، وأيرلندا، وتركيا، وبوليفيا، وجنوب أفريقيا. 

 معروف أن الدواعش صناعة أمريكية، وهم إرهابيون فعلاً، ولكن ما الفرق بين عصابات تحترف القتل، وهي ملاحقة ومتخفية، ومذلة ومهانة، وبين دولة تحترف القتل على مدى أكثر من ثلاثة أرباع قرن، وتستديم حرب إبادة وإفناء ضد شعب آخر، وتقيم نظام فصل عنصري، واحتلال استيطاني؟! ما فعلته الحرب منذ أكتوبر هو أكثر من أربعة عشر ألف قتيل في غزة غالبيتهم من الأطفال والنساء، أما في الضفة الغربية، فإن القتلى، منذ مطلع العام، أكثر من ثلاثة آلاف ومئة وستين شهيدًا؛ إضافة إلى تدمير الأحياء والمساكن والقرى، وجعل ما تبقى من أرض فلسطين أرضًا غير صالحة للسكنى.

عجز إسرائيل عن التهجير، والقضاء على المقاومة، وتزايد الاحتجاجات الداخلية والدولية مؤشر مهم لخسرانها الحرب. إسرائيل قوتها دائمًا في انتصاراتها على جيوش الدول المحيطة بدعم أمريكي، وخسارتها في الحرب على غزة، والمواجهة المستمرة في الضفة الغربية دلالاتها خطيرة على دولة احتلال استيطاني، ونظام فصل عنصري لا يستطيع البقاء إلا بالانتصار. تمزج الصهيونية العلمانية، وقادة اليسار الصهيوني بين الأساطير، والسياسة. 

 يحاجج مناحيم بيجن بالآيات، أو المكونات التوراتية، وكأنه يوشع بن نون، أو كأنه نبي من أنبياء بني إسرائيل، أما نتن ياهو، فاسشهاداته دائمًا من إصحاح أشعيا حول شرعية إبادة الفلسطينيين، كما فعل أشعيا مع الكنعانيين.