الزحف نحو مؤسسات الدولة ومرافقها العامة لإسقاطها والسيطرة عليها والزحف نحو القصر ودار الرئاسة في موجات بشرية هائلة مع تغطية إعلامية محلية وأجنبية

الإثنين 12 سبتمبر-أيلول 2011 الساعة 05 مساءً / مأرب برس – د. جميل امذروي – خاص
عدد القراءات 21040
 
 

المبادرة الخليجية ماتت وعادت الى الحياة مرات عديدة ولعل آخرها إعلان صالح تفويض نائبه بالتوقيع عليها نيابة عنه وإجراء حوار مع المعارضة على آلية تنفيذها، ومع أن الجزء الأول من الخبر مرحب به إلا أن الجزء الأخير منه يدل على رغبة النظام في استمرار التلاعب بالوقت وإرباك المعارضة بعد إعلانها خيار التصعيد الشعبي في الداخل ودعوتها المجتمع الإقليمي والدولي بعدم التعامل مع نظام صالح باعتباره (فاقداً للشرعية) وحقها في الطعن بأي اتفاقات أو معاملات معه، وربما أن هذا مادعا صالح الى رمي بالون اختبار لإرباك المعارضة وإظهارها وكأنها غير جادة في مواقفها السياسية التي تتخذها.

على المجلس الوطني والعسكري أن يستغل هذا البيان الآن ويوجه ضربة معاكسة ضد النظام بالتواصل مع بقايا قواته وقادة عسكره وساسته لإعلان تخليهم عن صالح او انضمامهم – وليس قيادتهم - للثورة إن شاءوا! هم الآن يبحثون عن طوق نجاة بعد تأكدهم من نهاية صاحبهم، يجب أن لا نفوت الفرصة وأن لا ينقطع الضغط أبداً. لكن هل هذا يكفي لحسم الثورة ؟

ينبغي أن نعلم جميعاً أن الحسم العسكري للثورة حتى وإن بدا عند البعض سهل المنال أو شراً لابد منه إلا أنه يحوي في طياته على مخاطر من نوع آخر، فهناك خطورة تحوله إن طال من حرب مع حرس النظام الى حرب قبلية مناطقية خاصة إن غدتها أطراف خارجية، وحينها نكون قد دخلنا في حصار سبعين جديد أو يناير جديدة تحرق الأخضر واليابس.

سيناريو الحسم العملي الأقرب للتنفيذ على أرض الواقع يحتاج وبشدة الى ذريعة أخلاقية كبرى ليست محلاً للجدل وتتمثل وبوضوح في استخدام ورقة الجماهير السلمية الغير مسلحة، فهي الوحيدة التي تستطيع إنهاء المشهد دون تفاوض أو تنازل وهي الوحيدة التي يُعتبر ضربها عسكريا أمراً غير مُبرر أخلاقيا لا على المستوى المحلي ولا الإقليمي ولا الدولي وإن كرهوا ذلك.

 إن انتظار تسلُم السلطة من دكتاتور سلمياً أو التعويل على المبادرات من الخارج العربي والدولي لحسم المشهد هو لعمري أمر قد أثبتت التجارب فشله لتعارض المصالح الواضح مع محيطنا الإقليمي وبراجماتية الخارج الذي يفضل بقاء الوضع على ما هو عليه مادام الجميع متعهد بمصالحه بدلاً من الدخول في المجهول! وإصرار المعارضة على البقاء في هكذا مربع لا يمكن تبريره كما يبدوا للمراقب بالحرص على إنجاح الثورة بأقل الكُلف - لأن جسدنا ينزف عملياً منذ شهور خاصة في تعز وأرحب وأبين .

إن الحسم السلمي واستناداَ الى فهم سيكولوجية النظام في تعامله مع الأحداث الجسام ودراسة ردود فعل المجتمع الدولي وبناءً على وقائع حقيقية وعملية عايشناها جميعاً في مراحل مختلفة من ثورتنا يتمثل في اعتقادي بتوجه مئات الآلاف من الجماهير ومن كل الاتجاهات لتشتيت قوات النظام وفي أكثر عدد ممكن من المحافظات - صنعاء خاصة وتعز وعدن - نحو مؤسسات الدولة ومرافقها العامة لإسقاطها والسيطرة عليها والزحف نحو القصر ودار الرئاسة في موجات بشرية هائلة مع تغطية إعلامية محلية وأجنبية في حدودها القصوى والممكنة وعلى أن يكون هذا كله في ظل حماية نوعية وعن بُعد ضد قناصة النظام لكي لا يمنعوا الناس من الوصول الى خط المواجهة الحقيقي.

حينها سيُصبح ما تبقى من النظام أمام خيارين لا ثالث لهما إما الاستسلام للإرادة الشعبية في التغيير والهروب لينجوا بجلده أو أن يستخدم القوة المفرطة ضد شعبه، وهو إن اختار الخيار الثاني - كما يتخوف الكثيرون في المشترك وحلفائه وهم محقون- فهذا سيعني سقوط الكثير من الضحايا لكن هذا الأمر ستضطر بسببه كل القوى الإقليمية والدولية - صديقة كانت أو عدوة - للنأي بنفسها عن دعم نظام يقتل شعبه الغير مسلح كما فعلت من قبل (تذكروا المبادرة السعودية في صورتها الأولى وتصريحات اوباما وكلنتون لصالح بالرحيل)، وسيدفع بدوره أيضا كل المترددين والمرتزقة من بقايا ساسة وعسكر النظام لإعلان انسحابهم وانشقاقهم عن النظام كما فعل كثير منهم من قبل (بعد جمعة الكرامة + مجزرة المعلا) وذلك رغبة منهم في عزل أنفسهم عن نظام لا مستقبل له أو خوفا من وقوفهم أمام المحاكمات الدولية لاحقاً (تذكروا التحذير الأمريكي الأخير لقادة الجيش من أنصار صالح بالمحاكمة الدولية إن هم أشعلوا الحرب).

 عند هذه المرحلة من سقوط الضحايا المدنيين وانهيار جدار الدعم الإقليمي والرضوخ الدولي للتعامل مع أهون الشرين والانشقاقات في صفوف النظام المتوقعة سيُصاب النظام وعسكره بالهلع وسيعُم الانفلات وستسيطر الفوضى على صفوف قاداته وأفراده كما سيطرة عليهم من قبل (تذكروا الفوضى والفراغ الذي حصل بعد جمعة الكرامة وحادث النهدين) وقد يرضخون لتسليم السلطة عن يد وهم صاغرون كما رضخ صالح من قبل (تذكروا توقيعه على أتفاق تنحيه في منزل النائب بحضور محسن وصادق والسفير الامريكي) وفي تلك اللحظة الفارقة وبغض النظر عن موقف النظام من تسليم السلطة ينبغي على الثوار عدم التوقف واقتحام القصور ومرافق الدولة السيادية بكل قوة وبدعم كامل في هذه المرة وانتشار كلي من الجيش والقبائل المؤيدة للثورة وهو المشهد الأخير الذي لم يفعلوه للأسف من قبل.

ستظل تخوفاتنا جميعا من حسم الثورة مشروعة لكن الجمود وحروب الاستنزاف أكثر خطورة من المغامرة المدروسة جيداً.

* باحث يمني في جامعة دويسبورج إسن الألمانية

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الثورات الشعبية