سرقات بلا حدود:نظام صالح يسرق "الدَّال" من اليمنيين!!
بقلم/ أ د فؤاد البنا
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 20 يوماً
الخميس 02 يونيو-حزيران 2011 05:13 م

نجح علي عبدالله صالح طيلة ثلاثة عقود في إيجاد عدد من المنجزات القريبة من حد الإعجاز ، ومن ذلك بروز (شطارته) إلى حد يقترب من العبقرية في سرقة ثروة شعب بكامله ، سواء الثروة المعدنية (نفط ـ غاز ـ معادن) ، أو البحرية أو الزراعية والحيوانية ، أو الثروة المالية الآتية من الضرائب والجمارك والزكوات والمساعدات والقروض والخدمات .

وقد تجاوز في هذا السياق كل الخطوط الحمراء ، مما أدى إلى (وضع) ثلثي اليمنيين تحت خط الفقر ، (ورفع) صالح وعصابته في المقابل فوق خط الاستغناء ، حيث العلو والطغيان والفساد .

لقد سرق صالح ونظامه على اليمنيين الجغرافيا والتاريخ ، ونهب الثروة والثورة ، واستلب البشر والحجر والشجر ، واغتصب الإنسان والثقافة والوحدة والديمقراطية ، وأمم الحرية والكرامة والديمقراطية ، وظهرت في هذا السياق صور مبتكرة من السلب والنهب والمصادرة ، ومنها سرقة الحروف الأبجدية ، التي أدى سرقتها إلى ظهور الكثير من الغرائب ، وبروز العديد من الظواهر المستعصية على الفهم والتحليل .

في هذه المقالة سنتوقف مع حرف (الدال )الذي صادره صالح من أبناء قحطان اليمنيين وهم أصل العرب لنرى تداعيات هذا الاستلاب على كثير من مجالات الحياة .

الجدير بالإشارة أن مصطلح (الدال) في الأوردو هو العدس وهو الوجبة الرئيسة لعامة الشعب الباكستاني الشقيق ، وليت صالح سرق من اليمنيين العدس والفاصوليا والفول على أهميتها وقيمتها الغذائية للفقراء ، دون أن يسرق منهم الدال .

عندما تصير الدماء ماء: 

الدماء كلمة تختزل حياة الإنسان المادية والمعنوية ، وهي أقدس من بيت الله الحرام وكعبته المشرفة ، ومع ذلك تصير هذه الدماء بسعر الماء إذا فقدت حرف الدال ، التي تميزها عن الماء ، وهذا ما فعله نظام صالح ببساطة.

ولهوان هذا الماء ورخص الحياة الآدمية عند هذا النظام صارت دماء اليمنيين مهراً قانياً لبقاء صالح على كرسي الحكم الذي وصفه مرة بأنه من نار ، وذكر ليلة الانتخابات الرئاسية عام 2006م بأنه بعيد على المعارضة بُعد الشمس!.

ولهذا واجه صالح ثورة الشباب السلمية بالقتل ، واجه الكلمة باللكمة ، والصيحة بالمصفحة ، والصرخة بالصاروخ ، وقابل الحركة السلمية بالدبابة والاندفاع بالمدفعية ، وإذا أصرت أحلام الكرامة وأماني العزة على التمادي في الطيران نحو عالم المدنية والتحضر فإن صالح يهدد بمواجهتها بالطيران!.

ولهوان هذه الدماء التي سالت والتي هدد بأنها ستسيل ، بعد أن سُرقت منها (الدال) وصارت ماء ، فإنه ما فتئ هو وعصابته ينكرون وجود شهداء وضحايا ، فالشباب يسرقون الجثث من ثلاجات المستشفيات ، والجرحى يمثلون بعد أن أخذوا دورة تمثيل عند محمد الأضرعي وفهد القرني وصلاح الوافي ، والدماء التي تسيل على وجوه الضحايا إنما هي دماء دجاج أو صبغات حمراء!! .

ولمجيء هذه المزاعم ضمن (استراتيجية) عريضة اكتسبها صالح من إدارته للبلد خلال ثلاثة عقود ، فقد وردت على لسان صالح الذي علمهم الافتراء ، وألسنة المسؤولين والناطقين الأمنيين والمتحدثين السياسيين والإعلاميين كعبده الجندي وياسر اليماني وطارق الشامي وأحمد الصوفي وعبدالحفيظ النهاري ، وكذا المتداخلين الذين يتجمعون في خلايا وغرف الأمن القومي تحت أسماء وعناوين عديدة ، ومنها اسم الطبيب السعودي!!

شجرة الكرامة عطشى للدماء :

ظلت عصابات صالح تطارد الشباب في شوارع صنعاء ، لا تكف عن شرب دمائهم وأكل لحومهم ، وعندما اعتصموا عند بوابة جامعة صنعاء ، جمعت لهم هذه العصابات عدداً من صور الكيد وصنوف القتل ، وعملت على غلق الشوارع بالحجارة حتى لا تنتقل عدوى الحرية إلى بقية الشباب ، واستفزتها تسمية إحدى الجمع بجمعة "الكرامة" من قبل المعتصمين ، ولذلك نهشت لحومهم بوحشية ، وكانت الحصيلة 57 شهيداً بجانب مئات الجرحى الذين سالت دماؤهم أنهاراً وآلاف من المخنوقين بالقنابل الدخانية والسامة ، فكيف واجهت عصابة صالح ردة فعل الشعب المصعوق من هول الفاجعة؟

ظنت عصابة صالح أن سرقتها لحرف (الدال) كفيلة بإخفاء معالم الجريمة وبتهوين الأمر على الناس ، فظهر صالح متهماً الشهداء بأنهم جناة ، ومشيراً إلى أنهم حاولوا اقتحام بيوت أهالي ذلك الحي ، فما كان منهم إلا أن فتحوا نيران رشاشاتهم ، والغريب أن صالح قبل وأثناء وبعد أن وجَّه النائب العام بالتحقيق في القضية ، ظل يردد أن الضحايا قتلة ، وأن القتلة كانوا يدافعون عن أنفسهم ، أي أنهم مجاهدون في شريعة صالح!

ومع اتفاق العصابة سلفاً إلا أن المجرم لابد أن يترك أثراً مما جعلهم يتناقضون في بعض الروايات ، فقد ذهب متحدث حكومي إلى تحميل ما سماه بميليشيات الحوثيين المسؤولية ، وذهب آخر إلى اتهام المعتصمين بأنهم قتلوا بعضهم!

ورغم هذا التمادي في تبرير الجريمة فإن صالح لم يستح من قتل هؤلاء الشباب مرة أخرى عندما رأى جُدُر سلطته وحزبه تتداعى نتيجة هذه الجريمة البشعة ، وذلك عندما أعلن حداداً رسمياً على الشهداء ، وحدث ذلك للتو بعد أن رفض تسليم القتلة للنيابة العامة ، حتى لا ترفع التحقيقات القناع عن وجهه الإجرامي القميء ، مما حدا بعلي محسن للانحياز إلى الثورة والثوار .

ورغم إعلان الحداد ، فقد استمرت حملته المنظمة لقتل الشهداء مرة أخرى بحشد التبريرات للجريمة وقلب الحقائق ، وهذا ما حدا بآخرين من سلطته للانحياز إلى صف المقتولين ضد القتلة ، ومن هؤلاء الأستاذ الفاضل نصر طه مصطفى رئيس وكالة سبأ للأنباء وإمام مسجد الصالح د.عبد السلام المجيدي وعدد من رموز الإعلام الرسمي والمؤتمري!.

وتتابعت طرائق صالح في اغتيال هؤلاء الشهداء ، فقد مارس ضغوطاً جبارة على النائب العام د. عبدالله العلفي لقلب الحقائق ، ولولا أصالة معدن هذا الرجل لذاب أمام ضغوط صالح وما فيها من ترغيب وترهيب ، وعندما رأى إصرار النائب العام لبضعة أسابيع على ضرورة تسليم القتلة المحتمين بوزارة الداخلية واللائذين بحمى السيد المرسل لهم في الحرس الجمهوري ، عندها عزل هذا النائب وجاء بنائب آخر لم يتورع عن تنفيذ أوامر صالح بإطلاق القتلة المقبوض عليهم ، وكف الخطاب عن آخرين ومنهم محافظ المحويت وحراسه ، ورغم هذا ظلت وسائل إعلام صالح تضحك على الذقون بتكرارها الحديث عن أوامره للنائب العام الجديد باستكمال أدلة الإثبات ضد المتهمين ، ولكن هذه الوسائل لم تقل أن المتهمين هم أنفسهم الشهداء!!.

 وهكذا أثبت بجريمة الجمعة الدامية أن الكرامة كرمةٌ نادرة لا تنبت بأرض عادية ، ولا ترتوي إلا بالدماء ، وهذا ما عرفه الشباب ، حيث واجهوا آلات القمع بصدور عارية ، لينتصر الدم على النار ، والصوت على السوط ، والقلم على السيف ، كما يحدث دائماً في مثل هذه الثورة ، ولكن الطغاة لا يفقهون!!

ائتلاف الدم: 

 ظل اليمنيون يُعرفون بالوجوه الصفراء والأجسام العليلة الناحلة، ولو أدخلت يمنياً وسط مليون إنسان لعرفه أبسط إنسان يعرف اليمنيين ، وسبب ذلك هو فقر الدم .

 وفي عهد صالح تفاقمت هذه المشكلة بعد أن كانت في طريقها للتحسن في عهد إبراهيم الحمدي ، حيث انقسم اليمنيون إلى عبيد وأحرار ، العبيد تنازلوا عن دمائهم لصالح الطاغية المستبد (دراكولا) ، ولذلك ظلت مجاميع من هؤلاء تردد في كل مناسبة بلسان الحال والمقال: بالروح بالدم نفديك يا علي!

 أما الأحرار فقد احتفظوا بدمائهم لأنفسهم ولأموالهم وأعراضهم ووطنهم ، ولأن صالح لم يترك صنفاً من صنوف الفساد إلا وقارفه ، فقد ظلت دماء هؤلاء الاحرار تغلي في عروقهم ، رافضين استباحة حقوقهم وحرياتهم ، وبهذا أريقت دماء من لم يمارسوا التقية أو الرَّويَّة مع طغيان صالح!

 ولهذا أصيب الوطن بفقر الدم ، ومن ثم أصيب بالكساح طيلة عقود من الزمان ، وبعد أن هيأ الله ظروف التغيير وربيع الشعوب ، انتفض الشباب الأحرار وصبوا دماءهم في عروق الجسد اليمني .

 ولما كان نظام صالح يعاني الآن من حالة نزع مريرة ، إذ تخرج روحه عشرات المرات بعدد سنوات استبداده بالشعب ، فإنه سيقاوم الموت ويتشبث بالحياة إلى آخر رمق ، وعبر منهج الفتنة وسياسة التمزيق التي لا يجيد غيرها ، ولهذا عمل ويعمل على التفريق بين الشباب أنفسهم ، وبين الشباب والمشترك ، وبين احزاب المشترك وبعضها، وهكذا بين كل مكونات الثورة وساحات الاعتصام .

ولهذا يجب أن يعي جميع الشباب أن ثورتهم لن تطير إلى سماء التمكين الحضاري إلا بجناحين: جناح الحرية وجناح الوحدة ، وهذا يعني ضرورة الاعتراف بالتعدد والتنوع في إطار هدف كلي وغاية واحدة ، فإذا كانوا هم الدم الذي أعاد للجسم اليمني حيويته وتوقده وتوهجه فإن الدم مع كونه شيئاً واحداً يتكون من ائتلاف كريات الدم الحمراء وكريات الدم البيضاء بجانب العناصر الأخرى ، وإذا استُبعد عنصر من هذه العناصر فلن يكون دماً ، لكنه سيصبح أشبه بالماء الذي تتعامل السلطة معه على هذا الأساس ، ولهذا تريقه بأعذار أقبح من ذنب. 

لحم الشهيد الشهي: 

وفي سياق سرقة صالح للدال من اليمنيين انقلبت كلمة الشهيد عند نزع الدال منها إلى "الشهي" ، وهذا ساعدنا على إدراك مسارعة مجرمي النظام إلى قتل الشباب رغم أنهم يحملون الورود ويرفعون أغصان الزيتون ، إنها شهوة القتل ، إنه الإجرام الذي يولِّد جوعاً في النفوس الحيوانية الأمَّارة بالقتل ولا تشبع منه إلا بنهش اللحوم الآدمية .

 ولكثرة الشباب الذين جعلوا من أنفسهم مشاريع شهادة في ساحات الحرية وميادين التغيير ، فقد قام صالح بتجنيد المزيد من القتلة ، حيث جند في أشهر الثورة الآلاف ممن يفوق عددهم بعض جيوش الدول الغنية ، كإمارات الخليج العربي ، وماذا يضير صالح في ذلك فإن الحجر "من البنك المركزي" "والدم من رأس القبيلي!!.

عندما تصير المبادرات مباراة: 

 وانطلاقاً من ذات جريمة سرقة الدال ، نجحت السلطة الصالحية الغاشمة في سرقة دال المبادرات فصيرتها مباراة ماراثونية غير متناهية .

 ولم يبدأ هذا الأمر مع الثورة ، بل سبقها ، فقد ظلت تحاور للحوار ، وتفاوض للمفاوضة ، وتمارس صوراً من نقض غزلها ، وكان آخر ذلك نقضها لاتفاق فبراير الشهير مع المشترك والمضي في طريق التفرد والتوحد ، وعاد صالح ليعلن عن تشكيل لجنة الأربعة ، اثنين من السلطة وآخرين من المشترك ، وبعد بضعة أشهر من الحوارات توصل الطرفان إلى مشروع اتفاق ، فما كان من صالح إلا أن نكص على عقبيه فنقض غزله ، وأعاد الحوار إلى نقطة الصفر ، بل وجعل (دوشانه) البركاني يقول عن هذه اللجنة الرئاسية بأنهم "عصابة الأربعة" ، مع العلم أن اثنين من الأربعة هما نائبا رئيس الحزب الحاكم: عبده ربه منصور هادي وعبدالكريم الإرياني!.

 وبعد ضغوط استمرت أسابيع عدة ، عاد صالح وشكَّل لجنة من مائتين: مائة من المؤتمر وحلفائه ، ومائة من المشترك وشركائه ، وبعد أسابيع رأى أنها غير عملية وأعلن تجميدها ، ليدخل البلد في نفق مظلم ، حيث تأبط بالوطن شراً وأعلن عزمه الدخول إلى الانتخابات والتعديلات الدستورية بعد أن رأى كيف عصف الحزب الوطني الحاكم في مصر بالمعارضة واكتسح الانتخابات وحده!. وزاد الدوشان الأمر سوءاً بإعلانه قلع العداد الرئاسي ومضي حزبه في طريق التأبيد ، أما التوريث فقد كان يجري على أقدام وسيقان مركوبات الرئيس.

 وبعد كل هذه المعاناة دعا المشترك وشركاؤه إلى هبَّة شعبية ، وبعدها بأيام قليلة اندلعت الثورة التونسية ، فجاء الرد الساخر بإعلان الحزب الحاكم أن المشترك مفلس شعبياً ، لأنه عندما دعا إلى هبَّة شعبية في اليمن جاء الرد من تونس والجزائر!!

 وعندما اكتسحت العاصفة التونسية نظام ابن علي وقذفت بالطاغية إلى مدينة جدة ، أعلنت أبواق النفاق أن اليمن غير تونس ، لكن الثورة المصرية اندلعت في ذات الوقت الذي انتصرت فيه الثورة التونسية ، وهنا بدأ النظام بالعودة إلى استراتيجية المبادرات المنزوع منها حرف الدال ، لتصير مباراة طويلة ومملة ، والعجيب أن هذه المباراة بجانب كونها بدون أُفُق ، فهي بدون قوانين وبدون ملعب مستوي ، ويقوم فيها صالح بدور المدرب واللاعب والحَكَم!!

أصيب صالح بعدها بإسهال المبادرات على مستوى الأقوال أما على المستوى العملي فقد كان يزداد عتواً ونفوراً ، وكان يقرأ نقاط ضعف مبارك وابن علي على طريقته العوجاء فيزداد كذباً وعجرفة في ذات الوقت!

ولهذا جمع العلماء وطلب منهم التدخل والمبادرة وزعم على طريقته السمجة بأنه سيقول لهم: سمعاً وطاعة ، أجمع عامتهم على أن من حق الشباب التظاهر والاعتصام وأن الحل الأمثل لليمن هو الاستجابة لمطالب الشعب وأهمها الرحيل ، عندها زمجر صالح وأرغى وأزبد ، وطاردت أشباحه الشيخ والنائب محمد الحزمي ، ووصلت إلى الشيخ الزنداني تهديدات كثيرة ومورست ضده حملة ترهيب شاملة مما اضطره للذهاب إلى أرحب للاحتماء بقبيلته من بلاطجة صالح .

 وفي تلك الأثناء شكل صالح لجنة أخرى من المشائخ والعلماء لدراسة المشكلة والخروج بحل ، وعندما توصلت إلى ضرورة استجابته لمطالب الشعب ، قلب لها ظهر المجن ، وشن على أعضائها حرباً شعواء ، مما دفع بأغلبهم إلى إعلان الانضواء تحت راية الثورة صراحة!

 وفي تلك الظروف ذاتها ، ونتيجة لتكرار صالح الدعوات للحوار ، وإعلانه القبول بأي مبادرة ، تولى عدد من رموز السلطة تقديم مبادرات ، ومن هؤلاء الأستاذ نبيل الفقيه وزير السياحة في حكومة صالح ، والأستاذ محمد علي أبو لحوم عضو اللجنة العامة وهي أعلى هيئة قيادية في حزب الحاكم ، حيث قدم كل واحد منهما مبادرة منفردة ، ورغم محابتهما لصالح إلا أنهما تكسرتا على حجر صالح الذي التصق بالكرسي ورفض أي مبادرة لم تعلن شرعية زواجه الكاثوليكي على السلطة في هذه البلاد!.

 وشعر صالح أنه سيجد ضالته خارج اليمن ، نتيجة تفريطه بالسيادة الوطنية: إنساناً وأرضاً وثروة ، ولهذا ظل في كلماته ومقابلاته ومؤتمراته الصحفية يعلن عن دعوته المعارضة للانفتاح مثله على أي مبادرة إقليمية أو عربية أو دولية ، وأنه من ناحيته سيقبل بما يقوله الأشقاء أو الأصدقاء ولو كان الرحيل!.

 هذا على المستوى العلني ، أما وراء الكواليس فقد طلب من السفير الأمريكي التدخل وعمل مبادرة ، وعندما ضَمَّنَ هذا السفير مبادرته رحيل صالح رفض!

 وعاد ليرسل مبعوثيه إلى دول الخليج لطلب التدخل ، فأرسلت هذه الدول إلى سفرائها للتباحث مع صالح حول معالم الخروج من هذه المعضلة ، وكان يراهن على رفض المشترك أو شراء الوقت في أسوأ الاحتمالات ، ولذلك ما فتئ يردد هو وجهازه الإعلامي قبولهم بأي مبادرة ، وأنهم قدموا التنازلات وأن المشترك هو الذي يرفض الحوار وكل المبادرات .

 وعندما حانت ساعة الحقيقة في 3 مارس قدمت دول الخليج مبادرتها التي تنص على رحيله الفوري بعد انتقال السلطة إلى نائبه ، لكنه أصيب بمس من الجنون ورفض المبادرة معلناً أنها مبادرة قطرية ، ثم رفض ما سماه بالتدخل في الشؤون الداخلية سواء جاء من قطر أو من غيرها!

وهكذا بعد جولات مكوكية لأمين عام مجلس التعاون الخليجي ، وبعد تعديلات لتلبية مطالب صالح وشروطه الجديدة في كل مرة ، وبعد خمس نسخ من هذه المبادرة وصل صالح إلى الرفض رغم أنها معبرة عن المجتمع الدولي برمته ، فهي مبادرة خليجية ، لكنها مشهودة ومباركة من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوربي ، ولقيت تأييداً من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وهيئة الأمم المتحدة ، ويأبى الله إلا أن يفضح صالح الذي أدمن ديمقراطية "نجِّم لي ونجمي الحصان"!!.

والعجيب أنه في تلك الأثناء التي انفضحت فيها ألاعيبه وأكاذيبه ، ظل يدعو المعارضة إلى حوار تحت أي سقف وفي أي مكان ، وتحدثت أبواقه عن مبادرة تركية جديدة!!

وعندما ذبح صالح المبادرة الخليجية من الوريد إلى الوريد ، كان ما يزال يطلق المبادرات ، وقبل يومين من الموعد النهائي لتوقيعه على المبادرة الخليجية التي أعلن قبوله لها ودعا الزياني للعودة إلى صنعاء لتوقيعها ، أطلق مبادرة جديدة تدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة!!.

إسدال الستور على الدستور: 

وانطلاقاً من نفس استراتيجية صالح السارقة لحرف الدال ، ما فتئ في رفضه لكل المبادرات التي أطلقها والتي دعا إليها ، يتحجج بما يسميها الشرعية الدستورية ، وإذا حذفنا الدال من الدستور ستكون الكلمة الستور وهي جمع سَتْر!!

فالدستور أصبح عند صالح مجرد ثوب مهلهل ، يستر به عوراته ، ومجرد قطعة قماش ممزقة يرفع بها عقيرته ، ويواجه بها معارضيه كقميص عثمان ، أو كقميص يوسف الذي أكله الذئب! وبالطبع فإن يوسف هنا هو الوطن والذئب هو المشترك وصالح هو إخوة يوسف الذي صنع فرية الذئب ، رغم أن الذئب لم يأكل يوسف كما هو معلوم!!.

لقد أحرق صالح الدستور بأفاعيله ، ونجح بذرِّ رماده في عيون مجموعات من عامة الشعب الذين مازالوا يصدقون بعض مقولاته رغم انفضاحه أمام العالم أجمع ، لكن العيون المصابة بالرماد لم تر بعد عيوب البغلة في صالح ، وغضت الطرف عن خطاياه وجرائمه في حق الشعب طيلة آماد من الزمن ، بسبب خوفها الأحمق على الوحدة والأمن والاستقرار!!.

وفي هذا السبيل الذي لا حرمة فيه لدستور ، صارت المعاهدات عند صالح (عاهات) بعد سرقة الدال منها ، مثل عاهة "التحالف الوطني" المزعوم ، الذي يضم حفنة من الجواسيس والطامعين واليائسين والقابعين في خوفهم وأنانيتهم! 

وَلَّتْ الدولة:

وفي إطار هذه اللصوصية صارت الدولة بدون دال: وَلَّة ، وباللهجة العامية تعني ذهبت ، وبالفعل فقد كانت الدولة بدأت في التكون أيام القاضي الإرياني والرئيس الحمدي ، لكن صالح حوَّلها إلى عزبة ، فصارت الدولة معادلاً لصالح ، وكان في انتخابات 2003م قد أنزل حسين الأحمر باسم المؤتمر في دائرة انتخابية اسمه غير مقيد فيها وبعد انتهاء فترة الترشح ، فذهب الشيخ حميد لمراجعته وقال له: لكن ذلك مخالف للقانون ، فقال له صالح: أنا القانون!!.

وصارت "المدنية" بدون دال منيَّة وهي الموت ، وقد صدق صالح حيث جعل الموت هو الطريق إلى الدولة المدنية ، ولما كانت مشاعر الشباب وإراداتهم أقرب إلى هذه الدولة المدنية في جمعة الكرامة فقد قتلهم صالح شر قتلة ، حيث أباح جماجم وقلوب وأعناق الشباب لذئابه الجائعة للقتل ، فكانت تلك القتلة هي الأشرس ، وصار العدد هو الأكبر!.

ورغم ضخامة التضحيات وفداحة الضريبة وكثافة الضغوط إلا أن صالح مازال يرفض "المغادرة" ، وأرجو ان تُمعنوا النظر في كلمة (المغادرة) واحذفوا منها حرف الدال وستصبح (المغارة) ، وهي ما يخيف صالح ، فقد كان بجرائمه طيلة ثلاثة عقود يصنع مغارة سوداء فيها متاهة مرعبة ، ولهذا فإنه يخاف من المغادرة ، حيث لا يدري كيف سيكون مصيره بعد أن كان يتحكم كالنمرود في مصائر الآخرين أو هكذا اعتقد!.

وبسبب ذات العلة وذات السرقة اختزل صالح مدينة (عدن) في حرف جر "عن" ـ بعد سرقة الدال ـ ولذلك أباحها للأربعين حرامي ببرها وبحرها وعلى رأسهم 15 سمكة من أسماك القرش الكبيرة التي تحدث عنها تقرير "هلال ـ باصرة" الشهير والذين اختارهم صالح على حساب عدن ، لأنه لا يرى في عدن إلا حرف جر "عن"!

هؤلاء الذين انحاز إليهم صالح بالأمس فانحازوا إليه اليوم وعلى رأسهم قائد المنطقة الجنوبية في الجيش مهدي مقولة ، وهو أحد كبار الفاسدين الذين ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيديهم!.

وفي هذا السياق أصبحت: الديمقراطية ، والوحدة ، والتعددية ، كلمات غير واضحة ، وألغازاً مطلسمة لا يفهمها ولا يحق له أن يفسرها إلا صالح وزبانيته وبلاطجته!.

ثورة (الدالات) المسروقة :

هل من المصادفة أن ينضم إلى ركب الثورة معظم حاملي شهادات الدكتوراه في اليمن؟ لا أظن أن انضمام أكثر من ألف دكتور إلى ساحة التغيير من جامعة صنعاء وحدها ، إلا رداً على سرقة السلطة لـ(الدال) الذي يسبق أسماءهم!

ووقفت (حاشد) في طليعة القبائل الواقفة لفساد صالح بالمرصاد ، بعد أن سرق دالها وجعلها مجرد "حاش" عن مصالحه أي مجرد عسكر يحوش عن صالح خصومه!. وبسبب سرقة صالح لدال أحد مشائخ هذه القبيلة الكبار وهو الشيخ حميد ، فقد صار "حمي" ، فاندفع حمياً وحامياً للحقوق والحريات ضد انتهاكات هذا النظام الفاسد .

وقد استغرب كثيرون في هذه الثورة تلك الوثبة الكبرى لأهالي مدينة (الحديدة) والسبب هو سرقة الدالين منها ، فصارت "الحية" وتخلصت من موتها بسبب حماقات صالح ، ولذلك صارت أول مدينة يمنية تتطهر من صور صالح!

ولأن حياتها عادت بدون إرادة "المسيخ الدجال" فقد سلط عليها مسيخاً آخر جمع في تركيبته بين أجسام البغال وأحلام العصافير ، لكن الإنصاف يقتضي منا أن نعترف بأنه بفصاحة العصفور وإن كان بخبث "ابن آوى"!.

وبسبب مقاومة أهل صعدة لمحاولات صالح المتكررة لسرقة (دال) صعدة منهم ، فقد سمعناه يعلن فشله في ستة حروب ، ولذلك تجنب الاعتراف بدال صعدة ، وظل ينطقها: "صَعْطَة"!!.

*رئيس منتدى الفكر الإسلامي 

وأستاذ الفكر الإسلامي السياسي بجامعة تعز