اتركوا المواطن يعيش بالقليل الذي تركتموه له يا حكومة الوفاق
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 18 يوماً
الخميس 05 إبريل-نيسان 2012 08:36 م

الدستور هو العقد الاجتماعي بين الشعب ومن يمثله في سلطات الدولة, وبه تتحدد التزامات كل طرف من أطراف هذا العقد. وكغيره من العقود إذا اخل طرف بالتزاماته, كان الطرف الأخر في حل من التزاماته ايضا.

ان الدستور اليمني المعمول به حتى بدايات العام 2011م يلزم المواطن اليمني بالالتزام بتنفيذ واجباته المحددة بالدستور او مواجهة العقوبات المحددة في القوانين المستندة الى ذلك الدستور. في الوقت نفسه يلزم الدستور سلطات الدولة بتوفير الحياة الكريمة والآمنة والتعليم والصحة وحرية التنقل وغيرها للمواطن اليمني, على ان يلتزم كل طرف بالتزاماته كاملة.

في العام 2011م أوقف العمل بالدستور واعلنت حالة الطوارئ بخلاف الدستور, وقتل المواطنون في الشوارع وانعدم الأمن والأمان والكهرباء والمياه واختفت المشتقات النفطية وتخلت الدولة عن وظيفتها الدستورية وتركت السلطة القضائية والأمن وظائفهم الدستورية. تسبب هذا الإخلال الجسيم بالعقد الاجتماعي الى تضرر المواطن البسيط, حيث أدى انقطاع التيار الكهربائي كمثال الى تخريب أجهزة المواطنين, وإقلاق حياتهم وعرقلة أعمالهم ودراستهم. في حين توقف المواطن فقط عن تسديد فواتير الكهرباء والمياه بسبب المعارك المتنقلة وعدم كفاية الراتب نتيجة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والمواد الاستهلاكية.

حاليا تتجه حكومة الوفاق الى إرغام المواطن البسيط على تسديد فواتير العام الماضي بالتقسيط او تحويلهم الى القضاء. ونحن ضد مثل هذا الاجراء غير القانوني والمنافي للأخلاق والدين والقانون ولأبسط الحقوق الإنسانية, للأسباب التالية:

1- قام العديد من التجار برفع أسعار المواد, دون ان تحتسب الدولة عليهم زيادة في الضريبة على الدخل او الأرباح. ابسط مثل هو ما قامت به شركة التبغ والكبريت (كمران) وهي شركة مشتركة مع الدولة يتراسها ابن اخ صالح, من رفع قيمة علبة سجائر كمران 25% دون ان يظهر فارق السعر في ميزانية الدولة وبقاء سعر الضريبة على كل باكت دون تغيير.

2- في محاولتها تامين خطوط الكهرباء والنفط قامت حكومة الوفاق بإغراء المتقطعين بمبالغ خيالية حتى يتوقفوا عن أفعالهم الإجرامية, دون ان يكون للقانون أي دور.

3- منحت حكومة الوفاق كل من نهب المال العام وافسد البلاد والعباد طوال فترة حكم صالح, حصانة من الملاحقة الجنائية. إضافة الى من قام بأعمال قتل المواطنين وقطع الماء والكهرباء والمشتقات النفطية عنهم.

4-استمرت حكومة الوفاق بنفس النهج التبذيري لموارد الدولة, في الموازنات المتميزة الغير مسموح بمناقشتها (رقم دون تفصيل), مثل ميزانية البرلمان التي تشمل رواتب للأعضاء السابقين والقضاء الذي يستأجر مباني للمحاكم الى اليوم والأمن القومي وغيرها.

5- استمرار نهج الفساد والإفساد في المرتبات الإضافية التي تمنح لأعضاء البرلمان والشورى وغيرها, في حين تستمر مرتباتهم في الوظائف التي يشغلونها دون ان يمارسوها بحكم تفرغهم لمهامهم البرلمانية او غيرها. وهكذا في كل مرفق حيث يتفرغ عضو هيئة التدريس في الجامعة لمهام إدارية يستلم عليها علاوات تتجاوز راتبه الذي يستلمه دون ان يمارس التدريس مطلقا, ناهيك عمن تنقل بين عدة وظائف تستمر جميعها في منحه رواتبها. مثلا العسكري الذي صار أستاذا جامعي ومن ثم تفرغ ليكون مديرا او وكيلا لمرفق أخر وانتخب الى البرلمان, يستمر مثل هذا الشخص في استلام راتبه العسكري والجامعي والإداري إضافة الى راتب البرلمان.

6- هناك أيضا الكثير من النماذج لكننا سنكتفي حاليا بهذا القدر اختصارا للموضوع. 

قد يدعي بعض المنافقين مثلما عهدنا ذلك منهم دوما, بان تعاون المواطن في تسديد فواتير الفترة غير الدستورية هو عملا وطنيا يساعد حكومة الوفاق على القيام بواجباتها نحو المواطن والوطن. وردا على مثل تلك التنظيرات نقول اذا كانت حكومة الوفاق جادة في إيجاد الموارد المالية لتطبيع الحياة الاقتصادية والاجتماعية, فعليها أولا ان تبحث عن حقوقها لدى كبار المكلفين أولا ومن ثم تبحث عن أموال الدولة التي انتهت فجأة, بعد ذلك عليها ان توزع المتوفر توزيعا صحيحا وليس للمتقطعين والمخربين وأنصار الشرعية الغائبة.

اذا كانت حكومة الوفاق حكومة رشيدة غير فاسدة فعليها ان توقف المرتبات التسلسلية لكبار القوم وممثلي الشعب وأعضاء الشورى غير الموجودة. على حكومة الوفاق ان تكون قدوة حسنة وتبدأ بنفسها بان تسلم أعضائها راتب واحد كوزراء او في وظائفهم التي لا يمارسونها. عليها ان تقلل من سياراتهم ومرافقيهم ونثرياتهم وبدلاتهم وغيرها.

انا وعن نفسي ومتأكد من وجود الكثير من أمثالي, اذا ما طالبتني الدولة بتسديد الفواتير الماضية, سوف أقاضيها عن أجهزتي المنزلية والالكترونية التي خربها التلاعب بالكهرباء وانقطاعها غير المنتظم. سأقاضيها عن حالة القلق والخوف وعدم الأمان وانعدام الاستقرار وحالة أولادي وأسرتي النفسية. سأقاضيها عن إخلالها بالتزاماتها نحوي كمواطن يمني, وتخليها عن وظيفتها الدستورية التي تسمح لها بمطالبتي بالتزاماتي. اما فيما يتعلق بالديون التي على المواطن البسيط خلال العام الماضي والتي لا تساوي شيئا بما قدمته الدولة للمتقطعين والقتلة والمجرمين او التي ربحها المتاجرون بمعاناة الشعب, فان عليها ان تعفيهم منها علنا ورسميا ودون تردد. بل يجب عليها ان تعتبرها تعويضا بسيط لهم على صبرهم وتحملهم للألم والمعاناة والحرمان, وتتجه للبحث عن الموارد لدى ناهبي المال العام والمتحايلين على النظام والقانون وستجد هناك ما يزيد عن حاجتها.