العزاني ضمير الجنوب
بقلم/ د.عبدالمنعم الشيباني
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 22 يوماً
الأربعاء 02 مايو 2012 07:45 م

حين اكتب مقالة كهذه للحديث عن فنان عدني كـ محمد صالح عزاني لا أكون متطفلاً و لا باحثاً عن شهرة فأنا جنوبيُّ الأصل والفصل وعدنيُّ العشق والحب والاتجاه والمنشأ والتربية والثقافة.

لا يعشق الفن والجمال والغناء الا عاشقٌ للفن الجميل والزمن الجميل في عدن، عدن الحضارة والثقافة والجمال والذوق الرفيع، عدن الزمن الجميل، الفن والمخدرة والبخور والفل، عدن التي استقطبت عمالقة الفن من مصر (فريد الأطرش ومحرم فؤاد) ومن سوريا (فهد بلاَّن) ومن لبنان (هيام يونس) التي غنت من كلمات محمد عبده غانم (قمري تغنَّى) بعد ان غناها اولاً احمد بن احمد قاسم، عدن الزمن الجميل والعشق الجميل، سحرت فهد بلاَّن فـ غنَّى من كلمات الدكتور سعيد الشيباني (يا نجم يا سامر فوق المصلَّى) وأغنية (يا بنات المكلا.. يا دواء كل علة)، عدن محمد عبده زيدي ومحمد صالح عزاني وعوض احمد ومحمد محسن عطروش، هذه هي الحياة البريئة والحياة الجميلة، كانت عدن تعطر الناس بالفل والبخور وصوت محمد صالح عزاني يشدو (شفت ناقش الحنَّا) ويشدو (الايا طير يا الأخضر).

الذين لم يعشقوا عزاني فُرض عليهم اليوم ان يتنكروا لكل القيم الكونية والجمالية التي صدرتها عدن للناس.. تعالوا نستمع للعزاني مع الفنانة العدنية (صباح منصَّر) أغنية حوارية (ياصاحب الناي) من روائع الفن والكلمات، القصيدة تصور –بكلمات ريف ابين وشبوة- قصة راعٍ شاب ولهان نبذه اهله وخلانه (أي لم يفهموه) فعبَّر عن هذه الآلام بصوت الناي الذي هزَّ جنبات الوادي فا هتزت له (الراعية) الشابة في الجانب الآخر فراحت تسأله عن سر هذا الناي الذي اثار اشجانها وزاد من عذابها هي الأخرى فيبوح-عبر الحوار الغنائي الشجي والحزين-كلٌّ منهما بسره وقصته للآخر بحوارية غنائية لا نظير لها في تأريخ الفن في الجزيرة العربية.

انه العزاني ضمير الجنوب وابن الريف الجنوبي الصافي، ريف يصدر النبل والشهامة والحب العذري والقيم الأصيلة... (اغنية يا صاحب الناي) مقدمة تعريفية بسيطة –لكنها نبيلة- بالجنوب وريفه الأصيل وأن الحب العذري -عبر الحوار بين الراعي والراعية على اصوات الناي- حنينٌ يرتل عبقرية الأصالة الجنوبية بريفها العذري الذي لم تلوثه النزوات الحسية الرخيصة ولا النزاعات العشائرية البغيضة، الريف الجنوبي صدىً للناي الحزين بصوت الإنسانية الخالدة، هذا الشلال الصافي هو الذي غسل عدن بماء الطهر فانتقل العزاني الى عدن الحضارة والمدنية بلغة الجمال والذوق واللطف والنبل العدني والطهر العدني والبراءة العدنية، انها (اغاني البراءة) لـ عزاني "الراعي الولهان" -حسب وصف (جريدة الأيام)- في الريف ثم العاشق الجميل في (بندر عدن) هذا هو العزاني بكل تراتيل العشق العدني (الا ياطير يا الاخضر واين بالقاك الليلة) وهذا هو العزاني عاشق الجمال (شفت ناقش الحنَّا)، عدن الليالي الملاح والبراءة والهوى الساحر، عدن الذوق الراقي والسحر الأرقى، لم يكن احدٌ يفكر تفكيراً( شيطانياً) في عدن او يفكر ان يؤذي شعور الآخرين.. هذا هو العزاني ضمير الجنوب بأقوى اناشيده الكفاحية ضد الإستعمار البريطاني (بالنار والحديد) بألحان وطنية جنوبية ثورية بديعة وأكثر من كونها بديعة، وهذا هو العزاني ضمير الجنوب بواحدة من روائع الأناشيد الوطنية (بلادي الى المجد هيا انهضي).

 من لا يعشق العزاني لا يعرف الجمال ولا عذرية العلاقة العدنية الراقية بين الرجل والمرأة، العزاني ضمير الجنوب بأغانيه الوجدانية في المخادر والحفلات التي لم يقبض منها اي عائد مادي اذ لم يكن المال غاية لأهل عدن ولافنانيه بل غايتهم الحب والسمر والبراءة والقناعة بما تفيض به الحان الجمال والحزن النبيل والعشق العدني البريئ، وهذا هو العزاني الذي نسيه اعداء الجمال واعداء عدن، واعداء الفن والشعر والطرب الأصيل، انها عدن علمت الناس الجمال فخربوه والطهر فلوثوه والحب فغدروابه والعشق فطعنوه والناي فكسروه والأغنية الوطنية فذبحوها والعناق الوحدوي فخنقوه .

شاعر وناقد

a.monim@gmail.com