إيران وإخوانها !
بقلم/ عبد الرحمن تقيان
نشر منذ: 12 سنة و 4 أسابيع
الخميس 25 أكتوبر-تشرين الأول 2012 06:13 م

Ataqi2003@yahoo.com

إيران دولة إسلامية اثني عشرية المذهب يحفل تاريخها المعاصر بتنوع الايجابيات والسلبيات. وقد خلقت إيران لها خصوماً من أقرب الناس والدول إليها بعد الثورة الإسلامية لتعيش اليوم وحيدة يناصرها ثلة من الموالين لها فكراً وسياسةً ومصلحة. إيران بلد ممانعة للاحتلال الصهيوني ومحاولات الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن لأي كان إنكار ذلك، لكنها أيضاً إيران المليئة بكثير من التاريخ التآمري ضد العرب واحتلال أراضيهم وتصدير المذهب الشيعي الطاعن بفجاجة في كل مذاهب المسلمين، المُفَرِّق بين جماعاتهم، والمخوِّن لهم كمواطنين وأنظمة. إيران التي افتخرنا بإنتاجها سلاحاً نووياً رادعاً لـ"الاستكبار" هي أيضاً ذات اللغز الكبير الذي لم يحاول مرةً طمأنة إخوانه العرب بإخلاص بشأن أمنهم منه أو تحقيق نصر واضح به ضد أعداء الأمة. يمكننا كمواطنين أن نقول جميعاً أن إيران لم تعملْ شيئاً يُذكَر ضد الصهيونية باستثناء دعمها الواضح لحزب الله الذي حقق مثل ذلك النصر البارز على جيش "دولة" الصهاينة الذي قُهِرَ بقوة مؤخراً مرتين عام 2000 و2006 (وهي "الدولة" التي تظلُّ العدوَّ الرئيسَ للجميع في المنطقة).. وكان في جهاده نداً شريفاً مثله مثل جهاد أعضاء منظمات فتح (حتى اتفاق مدريد) وحماس والجهاد في الداخل الفلسطيني. إيران أيضاً هي الدولة التي تحاول أن تقنعنا بأنها ضد الاستكبار العالمي، ولم تقم بشيء ضد الغزو الروسي لأفغانستان جارتها الإسلامية اللصيقة بينما حققت للمحتل الأمريكي هدفه في العراق الجار اللصيق من الناحية الاخرى، وبمعونة بعض الأنظمة العربية الخائنة، بتسهيلها لرمز الاستكبار الأمريكي غزو أرض العراق ليقول لي أحد إخوانهم اليمنيين بسذاجة أنها أثبتت دهاءها بالسيطرة على العراق بدلاً عن المحتل الأمريكي!!

ككاتب مبتدئ أو كمواطن عادي، لم أكن أعبأ بما كان يقال عن إيران وكنت أفخر بالكثير من منجزاتها بالرغم من علاتها الكثيرة داخلها ومع مواطنيها واحتلالها لأرض الأحواز العربية السنية والجزر الإماراتية، وكنت أقول أن ذلك ليس مهماً بقدر أهمية "كلامها" السياسي الخطير والشجاع ضد أعداء الأمة. لم أكن أتحدث عن جعفريتها وتكفيرها للسُّنَّة و"الزيود"، ولم أكن أرتاد اليوتيوب لأرى بأم عيني وأسمع بأذني ما يقولون عنا وعن معتقداتنا. كنت حيادياً جداً معها، لا أذكر لها سوى عدائها اللفظي للاستكبار العالمي إلى أن أقلقني إزاءها إخوان إيران في اليمن عن غير قصد منهم!

بدأت قلقي من إخوان إيران في بلادي اليمن حين رأيتهم بدأوا ينسلخون من جلدهم ليلبسوا جلدها ثم يجلدون جسمهم الرقيق بسوط التخوين والشقاق والتمييز. لقد بدأ إخوان إيران ينسون قضيتهم الأصلية بالوحدة والتحرير، وينسون عامة الشعب كهدف رئيس داعم لقضيتهم، ليبدأوا التمترس ضد أبناء جلدتهم ليتخذوا من أعداء إيران التقليديين أعداء لهم (أنظمة عربية، والمذهب السني، والإخوان المسلمون.. وكل من نظر تجاههم بحيادية)، وبالتالي بدأوا يعادون من يعادي إيران، ويتهمونه بالأمركة والصهينة، ويناصرون من ناصرها مهما كانت مقدساته ومهما بلغت يمنيته ومهما كان قريباً إليهم جغرافياً وثقافياً. فتراهم ينفون أية صلة تربطهم بإيران، لكن حماستهم لذلك النفي لا تشابه حماستهم جميعاً حين يهبون هبة رجل واحد للدفاع عنها وجميع مواقفها بلا استثناء حين تتعرض للنقد أو الاتهام وكأنك قصدتهم هم. وأصبحت إيران عن غير قصد منهم هي "أمريكا الجديدة" التي بدأ المواطن يتهمها بالوقوف وراء كل أمر في اليمن مثلما هي ذات نظرية المؤامرة ضد أمريكا الأم.

ككاتب، لم أكن أكترث لحركتهم ولم أكتب عنهم سوى مقال واحد قديم ينتقد موقفهم من الاتفاق الثوري اليمني الأخير من جملة مقالاتي عن النظام والفساد وأنفي صلتهم بإيران طالما لم يظهر دليل على ذلك.. وما إنْ تم اتهام طهران بجاسوسية سفيرهم وضباطهم وثلة من عملاء على اليمن حتى انبرى كثير منهم للدفاع عنها ضد سيادة وسلامة بلاده..حتى بلغ الأمر بهم لبس الثوب الإيراني والتخفيف من أمر الجاسوسية ومساواة ذلك بما يقوم به الحكام والمشايخ من عمالة للسعودية وأمريكا وكأنهم لا ينتمون لهذه الأرض وقضية أهله! وكأن هذا الأمر يبرره ذاك وانتهينا! نسوا عامة الشعب وقدسية التراب وساووا من باتوا يتهمونهم بالعمالة والخيانة بفعل إيران المقيت ويصرون رغم كل ذلك على استقامة إيران بعدها! ولم يعد حتى يرون استقامة في أحد في اليمن والشرق الأوسط قدر استقامة إيران!

بعد ذلك أزاحوا قناعهم كاملاً ليبدأوا بالتعرض بقسوة لكل من يتعرض لإيران وجعفريتها ومشاريعها من قريب أو بعيد. اتهموا المذهب السني بالتكفير، وأسقطوا عليه تطرف الوهابية فقط وكأن جميع السنة وهابية، واتهموا أحزاب المشترك كاملة بالعمالة وخيانة الأرض وتوزعوا بسلاحهم داخل المدن ونشروا شعارهم (باللغة العربية) ليستفزوا به المواطن المدني العادي ليرهبوا به كل من ينتقدهم بالأمركة والأخْونة.. ثم تحولوا رويداً رويداً لنقد أعداء إيران في المنطقة، وهي الدول والحكومات والأحزاب والأطر الوطنية مستخدمين نفس المجهر الإيراني.. ثم نقد الثورات العربية ومن ساندها (وهم منها كما يدَّعون) - بدءاًًً بدعم النظام السوري الذي قتل عشرات الآلاف من أبناءِ الشعب السوري بحجة أن سوريا البلد العربي الوحيد الذي حرر فلسطين كاملة وحافظ على مظاهر الإسلام في أحدث شوارع دمشق، مروراً بقطر.. وانتهاءً بتركيا أردوغان التي لا أدري ولا يدرون كيف يبررون عمالتها وخيانتها الأمة سوى نِدِّيتها لإيران إلا باتهامهم بغزو اليمن قديماً أيام العثمانيين المسلمين، وإذا طلبت منهم لعن الغزو الفارسي (المجوسي) لليمن وجدت منهم هروباً كثيراً.

وختاماً، فينبغي على إخوان إيران في بلادنا التفكير مجدداً في جميع مواقفهم المختلة تلك، والاختيار بين دعمهم الفكري والسياسي والمادي لإيران ومشاريعها المنتهِكة لسيادة بلادنا، وبين الأخوّة والسلام والحيادية مع المواطن اليمني والالتزام بثقافته ومذهبه وسيادته بغض النظر عن حكامه وأحزابه. أخلعوا عنكم الثوب الإيراني، والبسوا ثوبكم القديم، وتحدثوا بلسانكم اليمني الفصيح، وتابعوا مسيرتكم إنْ آمنتم أنها مخلصة. 

والله من وراء القصد.