الإعلام الجديد وسر النجاح
بقلم/ عارف الدوش
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 13 يوماً
الأربعاء 06 فبراير-شباط 2013 10:49 ص

•يلعب الإعلام دوراً تنويرياً رائداً وهاماً في حياة المجتمعات ومن صميم اختصاصه تكريس مفاهيم التربية الوطنية والديمقراطية ونشر ثقافة حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات والحقوق العادلة وتغيير السلوك الإنساني نحو الأفضل ومحاربة العادات والآفات الاجتماعية المقيتة وتعزيز التعاون بين السلطات والتقريب بين طبقات وطوائف المجتمع وغير ذلك من الأدوار المناطة بالإعلام بأنواعه المختلفة من خلال الفنون الإعلامية المتعددة وليس التركيز على الخبر بشكل انتقائي ومفبرك ويتبعه بقصص خبرية ومقالات رأي دون تسليط الضوء على الحدث بفنون إعلامية متعددة والاكتفاء بفن أو فنين وبرغم ما للخبر من أهمية إلا أنه أصبح معلومة عابرة نسمعها أو نقرأها وما أن يتم نشرها حتى تختفي وتتلاشى دون أن تترك صدى أو تداعيات أو أن يكون لها تأثير في حياتنا•

•والحدث هو عملية صناعة الخبر ورسم صورته بطريقة تجعله يأخذ أبعاداً تتجاوز حدوده الجغرافية وأهميته السياسية أو الاجتماعية، وبذلك فالحدث يعتمد على قائمة طويلة من الأخبار يختار بعضها ليسلط الضوء عليها بطريقة قد تجعلها تتحول من خبر عابر إلى قضية هامة تتناقلها جهات إعلامية وتجعلها القضية المحورية والمشكلة الجوهرية، وهنا يبرز دور الإعلام بألا يقتصر فقط على نقل أو رصد أو ترجمة الأخبار ونقلها كما هي دون إشراك فنون الإعلام الأخرى بل تقع على عاتق الإعلام مسؤولية شرح وتحليل هذه الأخبار بما يستفيد منه القارئ في حاضره فيفهم ومستقبله فيخطط ليبني.

•وبالنظر إلى واقع إعلامنا نجد أن هناك قوى اجتماعية وسياسية وإعلامية عدة أثرت على وسائل الإعلام وجعلت جل تركيزها على نقل وترجمة الأخبار فقط وكأنها بذلك تصرف نظر القارئ عن الحدث وتحرم المجتمع بأطيافه المختلفة من إمكانية الاطلاع على أحداث أخرى تكون بنفس الأهمية إن لم تكن أهميتها أكثر إلحاحاً من الأخبار المتداولة، فمثلاً تم إشغال الناس بأخبار تناولت قضايا هامشية ولكنها مثيرة للجدل مثل التركيز على بعض القضايا ومنها الفتاوى الدينية وأنواع التعبد وممارسة طقوس التعبد وتصوير الأمور وكأننا أمام أزمة دينية تهددنا بعواقب وخيمة على الرغم من أن أزمات الدين ليست معزولة عن إطارها الاقتصادي والسياسي وأبعادها الاجتماعية فليس البعد الديني هو المؤثر الجوهري في الموضوع لأن قضايا الإصلاح والتنمية هي قضايا “الاقتصاد والفقر والإسكان والتعليم و الصحة والمواصلات والفساد الإداري ... الخ” وهنا لا توجد إشكالية فقهية مطلقاً.

•وما هو ملاحظ أن عملية صناعة الحدث نجحت – بكل أسف - في تفريغ السياسة من مضمونها الاجتماعي والقيمي وانتزعت التفكير بالأمور الجوهرية من عقول المفكرين والمستهلكين وخدرتهم بجرعات كبيرة استطاعت من خلالها أن تقنع الكثير منهم بأن معضلة القرن الحادي والعشرين في الوطن العربي والإسلامي هي معضلة “الدين والإرهاب الديني والاختلافات بين المتعبدين فقهياً ومذهبياً وتقسيم الناس إلى فسطاطيين سنة وشيعة وأحياناً إلى دارين كفر وإيمان حرب وسلام” وبذلك قلصت هذه العملية قدرة الإنسان على استحضار عوامل أخرى قد تكون أكثر إقناعاً في تفسير ما آلت إليه المنطقة من استقطاب وتشرذم، فالمشكلة في العالم العربي والإسلامي هي مشكلة اقتصادية اجتماعية مشكلة جياع وآخرين مصابين بالتخمة، مشكلة شباب ونساء يعانون من وطأة البطالة والغلاء.. بعض الأحيان يقدم أب على قتل أسرته وأولاده ثم قتل نفسه كما قرأنا في بعض الأخبار وأرغمت أباً آخر على عرض أولاده للبيع لعدم قدرته على تربيتهم والصرف عليهم وأرغمت فتيات بعمر الزهور على القبول بالزواج بمن يكبرهن بأربعين وخمسين عاماً وأرغمت نساء على بيع المتعة والجسد من أجل لقمة عيش مغمسة بالذل لأسرة بغير عائل.

•ولهذا ينبغي على الإعلام العربي، واليمني جزء منه أن يركز على صناعة الحدث مع التنبه إلى أن الحدث يتطلب جهوداً كبيرة وإدراك أن على كاهل الإعلام مهام جسيمة وأحمالاً ثقالاً يجب أن يضعها ضمن قائمة أولوياته وأولها القيام بالتوعية والإرشاد وغرس القيم وتقديم الحلول والاقتراحات لأصحاب القرار في الدولة والحكومة والمؤسسات وألا يكون الإعلام أداة تطبيل ومدح وتلميع للحكام وأجهزتهم وبطانتهم فليس صحيحاً أن ما يسمى بوسائل الإعلام “ الرسمية” أو الحكومية وجدت لخدمة السلطات والحكومات ومن يتبعها ويواليها فهو إعلام يتم الصرف عليه من أموال الشعوب وثرواتها، فالإعلام الرسمي «الحكومي» هو إعلام وطني عام عليه أن يراعي طبيعة المجتمع الذي يصدر فيه وتكويناته ومستوياته الثقافية والاجتماعية و الاقتصادية وأن تكون خدماته الإعلامية تلبي رغبات كل فئات المجتمع وأن لا تقتصر على خدمة فئة معينة كما تقع على عاتق الإعلام بمؤسساته المختلفة حماية المواطنين من الظلم والاستغلال والاستبداد.

•وأخيراً إن الإعلام بمؤسساته المختلفة مطالب بتقديم الحقائق وشرحها والبعد عن التزييف والخداع وتشويه الحقيقة، ولهذا فإن تلميع وإبراز أفراد معينين من المجتمع أو قدحهم فقط ليست من مهمة الإعلام والإعلام الجديد الناجح هو الذي يقوم بتحويل وسائل الإعلام إلى ملتقيات ومنابر لجميع الأفكار والتصورات بمعنى أن مهمة وسائل الإعلام أن تتحول إلى “أسواق” عرض للأفكار والتصورات والآراء بما فيها الناقدة وتبصير رجال القرار بالمقترحات والحلول وتترك للجماهير المتلقية أن تختار ما يناسبها ولكي تستمر وسائل الإعلام في الحياة وتنافس في سوق شديد التنافس عليها أن تقدم مواد إعلامية متنوعة تجذب إليها كل شرائح المجتمع بحيث يجد كل مواطن مهما كان نوعه وتفكيره ومستواه التعليمي والاقتصادي والاجتماعي بغيته فيها مما يجعلها مطلوبة من قبل الجميع وهذا هو سر نجاح أي وسيلة إعلامية وهو سر فشلها عند غيابه وللكتاب والقراء وأصحاب القرار في الوسائل الإعلامية في صحيفة الجمهورية الناجحة نموذج يقتدى به فهي كمنبر متعدد وسوق عرض أفكار متنوعة لجميع الأطياف السياسية والثقافية والاجتماعية.

مشاهدة المزيد