أمة من المهجورين
بقلم/ د.صادق القاضي
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و يوم واحد
الأحد 22 سبتمبر-أيلول 2013 05:46 م

جهل، فقر، مرض، كوارث، حروب، فاشية دينية، تصفيات طائفية، اضطهاد عرقي، قمع سياسي،.. وأمور أخرى  تضمنتها، في خانة الدوافع، سجلات الهجرة الأوروبية إلى أمريكا خلال القرون التالية لكولومبوس، وصولاً إلى الرئيس "كنيدي" الذي حللها بفكر مسئول وضمير حي في كتابه المهم "أمة من المهاجرين".

هذه هي أمريكا الحقيقية، أمة من الضعاف، شكلت بمجموع ضعفها دولة صارت هي القوة الأولى في العالم، ماديًا ومعرفيًا وتقنيًا.. أمة من المهاجرين، هي الوحيدة التي تفكر عمليًا بتأهيل كواكب خارج الأرض لتكون صالحة للحياة، وهجرة الإنسان الضعيف إلى الفضاء الخارجي..

 تعدد العناصر قوة، العنصرية وحدها هي الضعف، هذا ما يؤكده، أو يُفهم أن كنيدي يؤكده في كتابه الآنف، التنوع قوة، والحرية الأمريكية هي نتاج ذلك الخليط من الفلاحين والعمال، والباعة المتجولين، والمنبوذين والصحفيين، واللاجئين السياسيين.. وحتى الجشعين والمغامرين، أمريكا بدون قيم الحرية والمواطنة والمساواة.. ليست مؤهلة أن تكون بلدًا يختلف كثيرًا عن اليمن أو الصومال..

أمريكا أمة فتية لأنها تعيش وتصنع المستقبل، الأمم المهتمة بالمستقبل أمم فتية واعدة مفعمة بحب الحياة والحرية والعمل والإبداع، في مقابل أمم مثقلة بالماضي، أمم مرتعشة منهكة، تسحقها أمراض وأعراض الشيخوخة، ويستهلكها اجترار تجاعيدها على قاب قوسين من العدم..

التنوع في هذه الأمم الأخيرة الشمطاء يصبح عبئًا، لا مصدر طاقة وحيوية، كان هو الحل الغربي، كما هو المشكلة الشرقية، أمريكا أخذت من العناصر -الأديان والمذاهب والطوائف والأعراق والمناطق والشعوب والأجناس والقبائل والأسر.. -روح تنوعها الخلاق، بينما نحن، توقفنا في تعاملنا مع العناصر في حدود الأسوأ على الإطلاق، في حدود العنصرية، حيث التحيزات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية والمناطقية والشعوبية والجنسية والقبلية والأسرية.. والصراعات المتعلقة التي لا تنتهي.. نصف قوى وقدرات وعقول المجتمع العربي أسيرة النوع والجنس ومكبلة بأغلال الذكورة، سلالة بلال الحبشي مهمشة بالملايين في مدن الصفيح العنصرية، القبائل تتعارك وتفكك الدولة منذ ثلاث آلاف سنة، الصراع الطائفي بين السنة والشيعة يقوض كل أمل بسلام اجتماعي أو دولي، ويستنزف عقول وثروات وجهود الشرق الأوسط برمته منذ عقود طويلة..

حالة مرضية حرجة تشبه تلك التي كانت تعيشها أوروبا قبل النهضة وخلالها، حيث الانحطاط سيد الموقف الثقافي العام، والعنصرية سيدة الممارسات العملية، وكلاهما أحال التنوعات إلى تناقضات خطرة خندقت كيان المجتمع، وفخخت السياق الفكري والاجتماعي والسياسي والديني، بكل أشكال الأزمات والمخاطر، لصالح بيئة طاردة للإنسان والحياة، تتوفر على كل دوافع الهجرة والنزوح، عن الأرض اليباب!.

جهل، فقر، مرض، كوارث، حروب، فاشية دينية، تصفيات طائفية، اضطهاد عرقي، قمع سياسي،.. وأمور أخرى تضمنتها، في خانة الدوافع، سجلات الهجرة العربية والإسلامية إلى الغرب خاصة خلال العقود الماضية، وصولًا إلى "غزوة منهاتن والحرب العالمية على الإرهاب" التي سدت أبواب ونوافذ النزوح، وجعلت الهجرة عن أرض هجرها السياح والمستثمرون والمهتمون.. وحتى الأسماك والطيور المهاجرة.. حلمًا بعيد المنال، لـ "أمة من المهجورين"!!.