وهذه هي الرسالة الثالثة وتتكون من تنويهين: الأول للشوكاني والمعلقين، والثاني لشخص الشامي، ثم الحديث عن [آل البيت] من مقصد قرآني، إذ من خلاله ستبدو مهمة آل البيت صعبة للغاية، ولست أنا من صعب عليهم هذه المهمة؛ بل الوصفة القرآنية لبيت النبوة وآل البيت؛ إذ التبجيل والتكريم الرباني لهم – كما سنرى – ارتبط بالسبب بجانب النسب. فإذا غاب الأول فقد الثاني صلاحيته.

أما الشوكاني فقد كنت متوقعا منه تلافي الخطأ والطلب إلى مأرب برس تعديل بعض العبارات في مقاله التي لم تضع الخالق - جل وعلى وتنزه- في مقامه وتقدره حق قدره، وكذلك ما تعلق بقضية إيمانية إبليس، إذ كان على الكاتب التوضيح على الأقل بأنه خانه التعبير، وتنتهي المشكلة التي كان نقدي موجها إليها في مقالي السابق، فإذا بالشوكاني يتوعدني بالرد المفحم فلا أدري كيف سيرد وكيف سيفحمني هل بسوق الأدلة القطعية على إيمان إبليس على يديه، أم أنه قد لبس عليه إبليس؟ أم سيأتي بالأدلة القطيعة التي تثبت حصول الصراع السياسي بين الشيطان و [...] يأبي قلمي أن يكتب ذلك.

أما ما يخص الحديث عن آل البيت فقد ارتكب الشوكاني خطئا منهجيا؛ إذ المعلوم أن في كل أسرة: الحسن والأحسن، والسيئ والأسوأ ففي آل شمسان –مثلا- الحسن والأحسن، والسيئ والأسوأ، وفي آل الشوكاني الحسن والأحسن والسيئ والأسوأ، وفي آل الشامي الحسن والأحسن والسيئ والأسوأ وهكذا دواليك وهي سنة الله التي خلت في عباده. والخطأ المنهجي الذي وقعت في فخه أنك نسجت مقالك على خطِ واحد وهو أنك وضعتنا في صورة الأسوأ وأنت تتحد عن آل البيت، وظهرت في مقالك كأنك تتحدث عن بيت (أبي لهب) لا (آل البيت) فلم تكن منصفا بالمرة، وقد خلطت خلطا واضحا بين [آل البيت] كما هو في المقصد القرآني، وبين أعمال يقوم بها (بعض) المنتسبين لآل البيت، وأنت قد وضعت الجميع في سلة واحدة مثل - الحكومة عندما وضعت الحراك كله في سلة واحدة هي [سلة الانفصال] وليس الحراك كله انفصاليا – وعلى ذلك المنهج الخاطئ بنيت مقالك الذي لا تخلو منه كل فقرة فيه من عبارة [نزعة شيطانية]. مع أن التناول القرآني - وهو يتناول أبا لهب - سماه باسمه ولم يسمه شيطانا.

والنزعة الشيطانية وإلصاقها بآل البيت ملأت كل مقالك. وفاتك أنك وأنت تتحدث عن آل البيت بصفاتهم التي حددها القرآن الكريم أنك أسرفت إسرافا كبيرا، حيث إن [آل البيت] المنصوص عليهم في النص القرآني بصفاتهم تلك ونسيت أننا جميعا نصلي عليهم في صلاتنا الخمس، ولا أدري كيف فات هذا الشوكاني. إذ جمع الحابل بالنابل والصحيح بالفاسد وأظهر لنا صورة آل البيت جميعهم في صورة الفاسد. واعلم أن لفظة [آل البيت] بهذه الصفة لا تعني إلا ما قصد إليها القرآن بوصفها وصفاتها ثم اعلم أن من خرج عن تلكم الصفات، فإنه لم يعد يجدِه نسبه إلى آل البيت أو ينجيه وأظن حتى أهل البيت أنفسهم لا يعترضون على ذلك إذ قال صاحب بيتهم – صلى الله عليه وسلم: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه"

أما الإخوة المعلقين الذين نسبوني إلى الحوثي قبل أن أنطق ببنت شفه عن آل البيت؛ وكأنهم قرؤوا ما سأقوله أو علموا ما مسبقا، فأقول لهم يا أخوتي سامحكم الله ونحن نفرح كثيرا بمن يسبنا؛ لأنه إن كان فينا ما قال فهو ينصحنا وإن لم يكن فينا ما يقول فهو يهدينا من حسناته، وإن لم يكن له حسنات فإنه يأخذ من سيئتان ويخفف عنا منها، وهي لا تحصى ولا تعد الله اسأل أن يتجاوز عنا، فأقول كل من سبني من دون سبب أو ذنب سامحه الله وإن أصر فهو يهديني أحب شيء إليَّ الحسنات أن كان سبه لي من دون ذنب، ويأخذ عني أثقل الأشياء إلى نفسي. بيد أنني أطلب من القراء أن يقرؤون المقال بوعي حتى إذا نقدوا ينقدوا بوعي وبعدها يسبوا يشتموا كما يشاءون.

أما التنويه الثاني فهو موجه إلى شخص الشامي بعيد عن (آل البيت)؛ وهو أشبه بعتاب ذي شقين: الأول أنه قد غضب  أولا ( لآل البيت) وهو ما فهم من مقاله الطويل، وقد كان المطلوب منه أولا وهو من آل البيت أن يغضب لرب آل البيت أولا، لكنه لم يغضب له لا أولا ولا حتى ثانيا، ويا حبذا لو كان أجل دفاعه عن آل البيت حتى ينصف لرب آل البيت مما وقع فيه الشوكاني من أخطاء يربأ بنفسه حتى من الاعتذار بل أخذته العزة بالإثم ليتوعد بالرد.

وبهذا يكون الشامي خالف منهج صاحب البيت  - صلى الله عليه وسلم -   إذ كان – صلى الله عليه وسلم - لا يغضب لشخص ه ؛ وإنما كان يغضب إذا انتهكت محارم الله وحدوده ، وقد كنت أتمنى عليه قبل أن يغضب (لآل البيت ( أن يغضب –أولا- من أسلوب الكاتب الساخر وتعبيراته الفجة البعيدة عن اللياقة واللباقة والأدب مع الله عز وجل، ومن أسلوبه في تناوله للآيات؛ إذ رأيناه يتعامل مع النص القرآني وكأنه يتناول نصا شعريا لا نصا مقدسا.

وما هو جميل منك أنك لم تتحدث عن قضية الولاية وأحلت المسألة إلى العلماء؛ إذ هذه القضية حساسة؛ بل وفي غاية الحساسية، لا يفتي فيها سوى العلماء المتخصصين، وقد خاض فيها العلماء في القديم والحديث وقالوا فيها القول الفصل وفصل الخطاب فلا يحق لأي أحد الخوض فيها إلا إذا كان عالما مجتهدا ومتخصصا مبرزا؛ ونحن لسنا بعلماء ولا متخصصين في مجال الشريعة والفقه والأصول. وليس من العيب أن نقول لا ندري بل العيب أن نفتي بغير علم ولا فقه.

وقد كان أجمل من الشامي لو ربط النسب – وهو يتحدث عن تكريم نسب آل بيت رسول الله- بسبب التكريم، فقد يفهم القارئ أنه جعل التكريم في أصل النسب واستبعد السبب؛ أي سبب تكريم الله لآل البيت، إذ تحدث عن آل البيت من ناحية أو زاوية النسب فعدد أسماء ولم يتطرق ألبتة إلى وصفة التكريم في القرآن الكريم، والتكريم من مقصد قرآني ينخلع على [العمل الصالح] بجانب النسب وليس النسب وحده يكفي لحصول التكريم ونيل تلك المنزلة من الله. فكان جميل منك وأي جميل لو تحدثت عن هذه النقطة إذ هي في غاية الأهمية؛ بمعنى أن التكريم الذي ناله آل بيت رسول الله ليس لأنهم ينتسبون إلى بيت النبوة؛ بل لأنهم أهل الله بتحقق صفات بيت النبوة فيهم من التطهير وذهاب الرجس. بمعنى أن أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- استحقوا التكريم لأنهم قريبين من بيت النبوة لا قريبين من قبيلة بني هاشم أو بني عبد المطلب. وقد كان منك الحديث مطولا عن النسب ولم تتطرق ببنت شفة إلى السبب. وهذا من المآخذ عليك؛ إذ القارئ عند ذلك قد يفهم أنك تجعل التكريم والتشريف لآل البيت كونهم منتسبين للرسول صلى الله عليه وسلم بغض النظر عن الصلاح وهذا قطعا لا تقصده بيد أنه كان ينبغي عليك أن تبينه.

ومن هنا فإنني لن أتحدث عن الولاية وأحقيتها إذ هذا ليس من شأني، وكذلك لن أركز – وأنا أتحدث عن آل البيت – على زاوية واحدة (هي النسب) كما فعل أخي الشامي؛ بل ستكون الأسباب هي الأهم في الطرح من الأنساب وهو ما سوف يتضح في المقصد القرآني؛ إذ هي أي الأسباب التي جعلت تلك المكانة الرفيعة لأهل البيت وآله، لهذا ستكون طريقة التناول عندي هي أقرب إلى ذكر الأسباب منها إلى الأنساب؛ بمعنى أنني سوف أتناول سبب التكريم بجانب النسب، إذ الأول أهم؛ لأنه إن لم يتوفر سبب التكريم بحسب المطلب القرآني بطل دور النسب.

 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من هم آل البيت كما وصفهم لنا القرآن الكريم والسنة النبوية ؟ بمعنى آخر هل اكتفى القرآن بالنسب عند تناول (آل البيت) ليثبت لهم التكريم أم اعتمد اعتبارات أخرى ليثبت لهم ذلك الفضل بجانب النسب؟ وهل التزام هذه الاعتبارات أو المحددات مهم في حيازة هذا الفضل؟ أم اكتفى القرآن بالنسب وكفى به هاديا وسبيلا إلى الجنة ونيل التكريم ؟ وأطرح السؤال بصيغة ثالثة وهي : إذا جعل النسب في كفة والحق في كفة أي كفة تترجح في المقصد القرآني ؟ 

ودعونا نعيش مع النسب ومع التناول القرآني له في ذلك اليوم الذي لا ينفع به مال ولا بنون (نسب)، لنعرف مدى أهمية نفعه للناس من عدمه، ويبدأ النسب منذ النفخة الأولى يتبرأ من الإنسان، ويتخلى عنه يوم القيامة، على الرغم من تشبث الأول به، وها هي أول عرصات اليوم الآخر يوم ينفخ في الصور يتركك النسب إلى العمل قال تعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ) (المؤمنون101). وعندما تنتهي صلاحية النسب تبدأ صلاحية العمل وتستمر (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (المؤمنون102) وهي لا شك ترجح موازين الأعمال وتثقل أما النسب فلا يقيم الله له يوم القيامة وزناً.

 بل الأدهى والأمر من ذك أن المجرم يوم القيامة يقدم كل (نسبه) ل ينجُ بنفسه، من هول يومئذ فلا ينجو قال تعالى: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ` سورة الشعراء{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء88-89). وكثير من الناس يتباهى بالأنساب ومن ليس له نسب يتباهي بالمال، وقل من يتباهى بالعمل - يأتي المجرم يوم القيامة ليقدم النسب قربة إلى الله لعل ذلك ينجيه من العذاب؛ (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ` وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ` وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ ` وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ) لقد تخلى عن كل نسبه القريب والبعيد. (المعارج11-14).

ومن هنا يستحسن استحضار قوله - صلى الله عليه وسلم- " مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ" ( صحيح مسل م:8/71. ( فمن كان عمله غير صالح لا يسعفه نسبه إلى آل بيت رسول الله. إذ هذا الذي أدرك النسب ولم يدرك العمل لا ينخلع عليه ذلك التكريم الرباني؛ حيث ارتبط التكريم الرباني بذهاب الرجس والتطهير منتهاه، وسوف آتي على ذكره لاحقا. ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم "سلمان منا آل البيت" (المستدرك للحاكم: (3/691) وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا نَزَلَتْ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الصَّفَا فَقَالَ " يَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا سَلُونِى مِنْ مَالِى مَا شِئْتُمْ "

ومن ذلك جاء قول الله تعالى - على لسان نوح عليه السلام: (إِنَّ ابْنِيْ مِنْ أَهْلِي) حيث نظر إليه نبي الله نوح من زاوية النسب، والله عز وجل رب محمد - صلى الله عليه وسلم - ورب آل بيت محمد – نظر إليه من زاوية العمل الصالح، إذ كان الرد من الله عز وجل : (إِنَّهُ لِيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) وقد سيق التعبير القرآني بأسلوب التوكيد، والسبب واضح وشفاف ويستوعبه الجميع (إِنَّهُ عَمَلٌ غِيْرُ صَالِحٍ). فهلا شفع لابن نوح نسبه؛ إذ هو ابن نبي، وليس من آل بيت النبي؛ وهنا يتبين لنا بما لا يدع مجالا للشك بأن النسب وحيدا فريدا من دون عمل صالح لا ينفع صاحبه، ولو كان ينفع لنفع ابن النبي نوح وقد دعا الله نجاته بنسبه، بيد أن المقصد القرآني يركز على العمل الصالح بجانب النسب؛ إذ به يبقى النسب الكريم. ثم تأمل الأسلوب القرآني [إِنَّهُ / عَمَلٌ غَيْرُ صالح] فـ عمل غير صالح حل محل النسب واللحم والشحم والدم، وكأن ابن نوح لم يكن شيئا مذكورا وهو ابن نبي. والشيء غير الصالح إذا كان محسوسا يرمى في المهملات، أمأ أن يتحول المجسد إلى عمل (مجرد) وغير صالح فإذا به يتحول إلى نكرة من النكرات والمبهمات. وهنا يستحسن استحضار قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) (الكهف105).

وما الشيء الذي ليس له وزن وتبقى له قيمة !!! إذا ما تركنا القيمة وتحدثنا عن الأحجام، إذ الوزن هنا يحتمل قلة القيمة ويحتمل أن الإنسان العاصي المحبط العمل لن يكون شيئا مذكورا إذ يتبخر وحتى البخار والهواء لهما وزن أما هذا فيصح [لا شيء] (فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) إذ ارتبطت قلة القيمة والوزن بحبوط الأعمال، ومن هنا نرجع إلى (ابن نوح)؛ إذ أصبح بالنسبة إلى أبيه (عمل غير صالح) أي محبط وعديم القيمة والوزن، فكان أن استحق أن استلب منه النسب النبوي الشريف بسب أنه عمل غير صالح ومهمل غير ذات قيمة تذكر.

ومن هنا أصبحنا نفهم دلالة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم – لسلمان الفارسي "سلمان منا آل البيت" فكان الرجل [الأعجمي] من آل بيت رسول الله بقول رسول الله نفسه، وكان [ابن نوح] ليس من أهل بيت نوح –عليه السلام- بنص القرآن الكريم. وهذه النقطة قد أشار إليها الشوكاني نفسه في مقاله؛ بيد أنه لم يكن منصفا كم أسلفت، وكون سلمان من آل بيت رسول الله وابن نوح ليس من بيت النبوة فإن هذا يضعنا أمام مفارقة عجيبة، وظيفتها هنا هي بيان أهمية العمل الصالح بجانب النسب؛ إذ هذا الأخير لا يعني شيئا إذا فقد سبب التكريم.

وأظن أن الفكرة وصلت، وإذا ما وصلت الفكرة يبقى الاحترام والتبجيل لنسب آل بيت رسول الله معلق أو مرهون بالسبب إذ الأول وحده لا يكفي، وما أجمل أن يجتمع النسب والسبب - (أي سبب التكريم) الذي سآتي عليه لاحقا- إذ في هذه الحالة أي اجتماع النسب والسبب حق لكم آل البيت أن تكرموا وأن تبجلوا، إذ الله في علاه تولى بنفسه ذلك التطهير لآل بيت رسول الله ورفع الرجس عنهم وهم في [حالتهم وحلتهم هذه] هم محل تبجيل وتكريم واحترام؛ لسببين: الأول - وهو الأهم - عملهم الصالح، والثاني قربهم أو قرابتهم من رسول الله؛ إذ يبقى لهم حقان: حق الإسلام، وحق قرابة الرسول - صلى الله عليه وسلم- ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو معاند.

فإذا ما التزم آل البيت بمنهج البيت وبحدود البيت، وبالوصفة القرآنية الكاملة كما وردت في القرآن الكريم وجب لهم التكريم. أما في حالة عدم الالتزام بحدود منهج [بيت النبوة] من [آل البيت] فلن يشفع لهم انتسابهم إليه، وحينها سيفقدون مقامهم العالي الذي خصهم به القرآن الكريم، ولن يبقى لهم حظ في الانتساب إلى البيت، وبالتالي لم يبق لهم حظ في التكريم الرباني.

وهذا المنهج أو الوصف الرباني يصعب المهمة على آل البيت كثيرا إذ آل البيت من خلال الوصفة القرآنية والنبوية يكونون في غاية التطهير التي تجعلهم بمكانة عالية من التقدير، ومن شذ عن هذه المكانة فقد أخرج نفسه من آل البيت، كما أخرج الله ابن نوح من نسبه.

ومن هنا فإنني سوف أتناول آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من خلال الوصفة [القرآنية / النبوية] التي جعلت التكريم والأفضلية لهم وبنتها على اعتبارات متصلة بهدي رب العالمين، لهذا وردت رواية قوية في المستدرك عن النبي صلى الله عليه وسلم – قال "سلمان منا آل البيت" لتوحي باعتبارات أخرى ومهمة بجانب النسب؛ قد كانت السبب في ذلك التكريم وهي من الأهمية بمكان حيث إن هذه الاعتبارات حددت من هم (آل بيت رسول الله وأهله) ووضعت النقاط على الحروف.

وطريقة التناول للصفات ستكون قريبة من الروح الموضوعية والعلمية - ما استطعت إلى ذلك سبيلا - إذ بيننا وبين آل بيت رسول الله والناس جميعا كتاب الله وسنة رسوله الله - صلى الله عليه وسلم – وهو الحق الأبلج والهدي الذي لا يخطئ و(لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت42). والحق أحق أن يبتع. وليس يعرض عن الحق الواحد إلا جاهل أو معاند أو حاقد.

أما آل البيت في الوصفة القرآنية أو المقصد القرآني فقد ورد في قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب33:).

وإنني هنا لن أقف أو أتوقف عند الخلاف الذي حصل في تحديد منهم آل البيت، بمعنى أنها لن تهتم بذكر الاشخاص بقد ما ستركز على الأوصاب، أو بمعنى آخر: أنها لن تقف عند الأنساب بقد ما سوف تولي الأهمية إلى الأسباب؛ التي استحق من خلالها هذا البيت وآله التكريم، فنحن نذكرهم ونصلي عليهم في كل يوم خمس مرات في الصلاة المفروضة فما بالك بالنوافل، بما يعني أن المهمة في غاية الصعوبة لمن هو منتسب إلى بيت النبوة، وحتى لا يدخل في ضمن من يصلى عليه - مثلما قال الشوكاني - [أبو لهب] إذ ذكر الأسباب في غاية الأهمية بجانب الأنساب، إذ هذه الأخيرة وحدها لا تكفي من عقاب وحساب لا تنجي. وفي هذه الأسطر سوف الآتية سوف أتعرض للوصفة القرآني لآل البيت كما حددها القرآن - لا شمسان- قال عز وجل: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)،

وإذا ما توقفنا عند دلالة الأصل (ط هـ ر) معجميا، فإن هذا الأصل - حسب ابن فارس في مقاييس اللغة - "واحدٌ صحيح يدلُّ على نقاءٍ وزوالِ دَنَسٍ. ومن ذلك الطُّهْر: خلاف الدَّنَس. والتطهُّرُ: التنزُّه عن الذمِّ وكلِّ قبيح. وفلانٌ طاهر الثِّياب، إذا لم يدنَّس". (مقاييس اللغة: 3/428). وفي المعجم الوسيط "طهرا وطهارة نقي من النجاسة والدنس وبرئ من كل ما يشين، وطهر الشيء بالماء وغيره: جعله طاهرا وبرأه ونزهه من العيوب" (2/568). إذا من خلال الوظيفة المعجمية للفعل (طهر) نفهم منه النقاء المادي والمعنوي من الدنس والرجس والعيب، إذ يحل محل هذه الصفات بحسب المعنى النقاء والصفاء والطهر أكلمه وغايته.

وإذا كان ذلك شأن وظيفة المعجم فما هي وظيفة التركيب، إذ المفردة عندما تكون في التركيب يزداد معناه وضحا وبيانا، وفي السياق اللغوي الذي جاءت في هذه المفردة يوسف يتبين لنا عمق التناول لهذه المفردة من خلال الأسلوب القرآني والتركيب الذي وردت فيه، قال تعال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) جاء في الآية الكريمة عدة مؤكدات وهي مجتمعة تدل على بلغة التطهير وهذه المؤكدات هي: [إنما / لام التوكيد في ليذهب / المصدر المؤكد للفعل طهر وهو (تطهيرا) إذ هو مفعول مطلقا مؤكد للفعل، ناهيك عن التضعيف في الفعل (طهَّر) الدال على المبالغة في التطهير. فعندما تقول غلَقْت الباب، غير ما تقول غلَّقت الباب، إذ في الثانية من المبالغة التمكين أكثر من الأولى لهذا جاء الأسلوب القرآني في قصة يوسف "وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ" وليس هذا يحتاج إلى مزيد بيان إذ السياق يستعدي التأكد من غلق الأبواب بإحكام.

ثم يأتي ذكر لفظ الجلالة ليزيد المهمة على آل البيت صعوبة وتعقيدا، إذ ذكر لفظ الجلالة يشي بعظمة هذا التكريم، إذ هو تولى هذه المهمة بنفسه، إضافة إلى سيل المؤكدات في الآية، إذ يرتفع قدر ذلك التطهير ويرتفع معه قدر التقدير والتبجيل لآل البيت وهم بتلك الصفات، انتبهوا نحن نتحدث هنا عن صفات ومميزات ووصفات ربانية لآل البيت ولا نتحدث عن أسماء، بمعنى آخر لا نتحدث عن أنساب بقدر ما أتحث عن أسباب، وآل البيت بتوفر هذه الأسباب -أولا- إضافة لا الأنساب استحقوا هذا التقدير وذلك التكريم الذي تولاه الله بنفسه. إذ أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نسب فعل التطهير إلى الله مباشرة، وهنا استحضر كلاما طيبا لسيد قطب إذ قال: "وفي العبارة تلطف ببيان علة التكليف وغايته. تلطف يشي بأن الله سبحانه يشعرهم بأنه بذاته العلية يتولى تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم. وهي رعاية علوية مباشرة بأهل هذا البيت . وحين نتصور من هو القائل سبحانه وتعالى رب هذا الكون . الذي قال للكون: كن. فكان. الله ذو الجلال والإكرام. المهيمن العزيز الجبار المتكبر. . حين نتصور من هو القائل جل وعلا ندرك مدى هذا التكريم العظيم .

وبعد هذا العرض من الجانب اللغوي والأسلوبي انتقل إلى أقوال المفسرين، لأعرض أقوالهم حول الآية فقد نصل منها إلى جديد ومزيد تحديد.عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت (وأمر أهلك بالصلاة) كان النبي - صلى الله عليه و سلم - يجيء إلى باب علي صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: الصلاة رحمكم الله (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) عرفتم أل البيت كيف هي المهمة صعبة المنال حتى تنالوا ذلك التقدير وذلك الإجلال، إلا على من يسر الله عليه. عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بكساء كان عليه ثم قال : "هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"

ومن هنا نفهم أن الكرة هي في ملعب أهل / آل البيت؛ إذ هذه هي المواصفات الربانية لآل البيت؛ فمن أراد أن يلتزم حدود البيت فهنيئا له ذلك التكريم والتبجيل والتقدير، ومن أراد الخروج عن حدود البيت إلى الفناء أو الشارع فذلك شأنه، بيد أنه سيفقد صلاحية النسب لا شك فإذا ما أراد أن يتقاعس فلن ينفعه النسب بل قد يكون وبالا عليه، إذ قال الله عن نساء النبي – في رأي من رأى أنهن من آل البيت- (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) (الأحزاب32) وكيف أن نساء النبي لسن كبقية النساء من حيث الأجر وكذلك الوزر وهذا ما يفسره قوله تعالى: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (الأحزاب30). بالعذاب مضاعف لنساء النبي، ولست هنا بالقائل بأن هذا الحكم ينخلع على من ينتسبون إلى بيت النبي؛ إذ لست متأكد من ذلك فإذا كانت الخصوصية في نساء النبي تندرج تحت كونهن من آل البيت فإن آل البيت يدخلون تحت هذا الحكم بحيث أن وزرهم وأثمهم يكون مضاعف بسبب النسب وقد يكون في حالة العمل الصالح أجرهم مضاعف -والله أعلم- إذ هو في هذه النقطة اجتهاد مني يحتاج إلى تأكيد ومراجعة. ورأيي خطأ قد يحتمل الصواب ورأي غيري صواب قد يحتمل الخطأ.

اللهم اجعلنا من آل البيت الذين طهرتهم تطهيرا، ولا تشمت فينا عدوا ولا حاسدا، واجعلنا لك قائمين وموحدين ومكبرين ومتبتلين. والحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد الأمين وعلى آل بيته الطاهرين المطهرين آمين.