آخر الاخبار
فساد الباب العالي ... فماذا بعد تونس البوعزيزية ومصر العزيزة ؟
بقلم/ اكرم الثلايا
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 23 يوماً
السبت 29 يناير-كانون الثاني 2011 08:28 م

بعد قرابة نحو شهرين على الثورة البوعزيزية أن جاز التعبير , لا يزال إخواننا التوانسة يدهشون العالم , بإصرارهم على إسقاط أي حكومة يساهم فيها أين من أعلام النظام الفاسد , ومطلبهم بحكومة نظيفة ونزيهة لتضمن الكرامة الإنسانية , فالتونسيون يستحقون تغييراً حقيقياً، وليس تجميلياً , فمؤخرا أقر الرئيس الفرنسي ساركوزي بعدم إدراك حكومته بما كان يحدث في تونس ’ ولحقت به مجموعة دول الإتحاد الأوربي , في إشارة واضحة بأنهم قد فهموا الدرس الذي علمه لهم الشعب التونسي , فهل فهم الزعماء العرب؟....

ومازالت مقتنع بأن أي ثورة لن تتكرر وتعطي نفس نتائج ثورة تونس لأسباب الخصوصية لكل بلد عربي على حده , وأن كان صدى الثورة التونسية سيكون حاضراً كحافز مشترك ضد الظلم والاستعباد والفساد , وأعتقد أن أهم سبب مشترك بين العرب في أي ثورة , هو الفساد السياسي والمالي , الذي لا يخلو منه بلداً عربياً واحداً.

....

 إن أمام الذين يتبوءون السلطة الآن فرصة غير مسبوقة وقصيرة جدا ًلإجراء إصلاحات أساسية ودائمة للقطيعة مع شعوبهم , فالزعماء العرب يعرفون أين مكامن الفساد التي قد يكون البعض منهم قد تسلل عبرها لرأس السلطة , فالتدابير التي اتخذتها بعض الدول العربية تجاه تداعيات الثورة البوعزيزية وأثارها في نفوس الشباب العربي , والتي أعطتاهم شحنة عالية من الطاقة والعزيمة المضادة للسلطة ومقارعتها بل والمطالبة بإسقاط حاكم هنا أو حاكم هناك , بما يشفي الروح الشبابية الثائرة على قدم المساواة مع الشباب التونسي , وها هم شباب مصر ينتفضون في ثورة شعبية غير مسبوقة على الساحة المصرية.

....

ففي مصر أكبر الدول العربية وأكثرها تأثرا بالثورة البوعزيزية , فهي الأقرب لنجاح ثورة شعبية خاصة بها , نظراً لأوجه التشابه الفكري والثقافي بين شباب تونس والشباب المصري , ولتفادي ذلك لابد لقادة مصر من تقديم تنازلات مصيرية للشعب المصري بأي حال من الأحوال , بدلاً من العزف على أسطوانة الأخوان المسلمين أبان الاحتجاجات المصرية الأخيرة , فالاتحاد الأوربي وأمريكيا قد وعيا الدرس التونسي والذي بدء واضحا من خلال تصريحات الرئيس ساكوزي , فيما القيادات المصرية لا زالت تحلم باستقرار حكمها وأن الشارع قد يعود للهدوء بقوة ما تسميه بضرورة التزام المتظاهرين المصريين بالقانون في محاولة لكسب الوقت لحين إجراء الانتخابات النيابية المصرية , ولكن الشعب المصري العزيز يأبى ألا أن تتم كلمته وتحقق مطالبة التي طالما تجاهلها النظام , وتظل مصر مفتاح دول مجموعة الشرق العربي , وهذه المحاولات أكبر دليل بما يشوبها من محاولات إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال حظر التجول وإقحام الجيش في امتحان وطني حساس للغاية.

...

في اليمن وهي أكثر الدول العربية قربا من الفوضوية والأكثر بعداً عن ثورة شعبية , نتيجة للإحباط الشعبي العام , والخوف من المستقبل الناتج عن إدراك اليمنيين بوجود ترسانة سلاح قد تقتلهم جميعاً , وإلى عدم ثقة الجماهير في السلطة والمعارضة معاً , فالكثير يعتبر السلطة والمعارضة وجهان لعملة واحدة سكها الفساد , وأن الديمقراطية في البلاد يسيرها الرئيس صالح , والمعارضة تعد سلبية لأنها تقبل على الدوام التفاوض لحصد مكاسب سياسة وهي بذلك تقبل بديمقراطية شكلية تخدم بقاء السلطة أكثر مما تخدم الشعب , كما لا يثق اليمنيين بأن نظام الديمقراطية يعاملهم بشكل عادل ونزيه.

....

- أما الأردن فقد تواجه تغييراً شعبياً لحكومة أكثر نزهة وولاءً للوطن وبحذر شديد كون دولة مواجهة حتى وان كانت قد وقت مع إسرائيل اتفاقية سلام , أما سوريا الفداء فهي قد تتأثر بثورة تونس ومصر , ولكن الشعب السوري مدرك أنه في مواجهة مع إسرائيل وفي حالة حرب , وعلى النظام السوري القيام بإصلاحات سياسية بالدرجة الأولى.

- أما بقية الدول المغاربيه , فهي في حالة حصد لتجربة تونس والجزائر مع محدودية غليان الأخيرة وكذلك هي ليبيا , وتحصيل لما يحدث في المشرق العربي , ولا بد أنها عندما تتحرك سوف تزلزل حكوماتها برغم القبضة الأمنية التي تدار بها هذه البلدان , وأظن أنها تنظر بعين فاحصة ما يحصل في قلب المشرق العربي الشقيقة الكبرى مصر وأخواتها سوريا والأردن وأم الثورات فلسطين المحتلة , وهذه الأخيرة هي السبب الخفي في ضمير كل الشباب العربي المشبع بحرية القدس في أي ثورة قادمة.

- أما دول الخليج العربي على مقدار ثرائها معرضة قبل غيرها من الدول العربية الفقيرة لثورات مفاجئة , فأموال شعوب دول الخليج العربي وإدراك هذا الشباب الخليجي أن حكوماتهم تسلم أموالهم في صورة تكاليف الأنفاق على القوات الأمريكية , يعد أهم سبب قد يخرج المارد من قمقمه , وبشكل مفاجئ , فدولة كالكويت وبرغم ديمقراطيتها تعاني من مشاكل اجتماعية وطائفية , وقد تداركت حكومة الكويت ذلك بالتدابير التي أعلنتها من مساعدات شهرية للأسر الكويتية وغيرها , ومع كل ذلك تظل تدابير وقتية وخاصة أن هناك قنبلة موقوتة عنوانها "شباب البدون".

- وإذا كانت دولة الأمارات العربية المتحدة ودولة قطر هما أكثر دول الخليج العربي نجاحا في استيعاب شبابها في نعيم الرخاء المالي , إلا أن اقتصاديات الدوليتين ليس بيديهما , وليسا أكثر من أدوات بيد الشركات العالمية , مع بقاء القنبلة الموقوتة بعنوانها "الوافدين" والعمالة الاجنبية.

- وأما مملكتي البحرين والسعودية فتحيق بهما أخطر الفتن النائمة , تحت عنوان "حراك الشيعة" , وبرغم أنهما الأقل فساداً نظرياً في المنطقة , إلا أن الفساد في الطبقة المتوسطة من المجتمعين السعودي والبحريني , يجوف مضمون الدولتين اللتان لم تشهدا تغييراً سياسيا حقيقيا , ولم توقعا على أغلب الاتفاقيات الدولية الإنسانية , أما سلطنة عمان فتتمتع باستقرار نسبي ظاهرياً ومن غير الواضح كفاءة فكر الشباب العماني نظرا لاكتفائه بتسيير أموره من قبل السلطة الحاكمة , فيما يرجع ذلك على ما يبدو لكون المجتمع العماني مجتمع مغلق محلياً.

.... 

- وفي المجمل الحكومات في دول الخليج لا تراعي حقوق الإنسان ولا يمكن أن تكون جزءاً اختيارياً من برنامج أي حكومة محلية ، وإنما يجب أن تحتل مكان الصدارة إذا ما أُريد للمؤسسات الخليجية أن تكون عادلة وخاضعة للمساءلة وخادمة لشعوب الخليج.

....

- أما بقية الدول العربية كالعراق ولبنان والسودان والصومال فهي غارقة في مشاكلها التي تسبب بها المجتمع الدولي , وستكون بعيدة عن الاستجابة لأي صدى قادم من قريب , وتظل مصر العربية هي المفتاح الرئيسي في أي ثورة قادمة تنشر صداها في بقية المشرق والمغرب العربي , فما هو الانفجار القادم بأثر الغليان الشعبي , وعدم الفهم السياسي للقادة والزعماء العرب , بأن الباب العالي للفساد والفاسدين اللذين ترعرعوا في ظل الأنظمة العربية الحاكمة , وأستا ثروا واستبدوا وظلموا ولا يسألون ولا يحاكمون عن أفعالهم , ولا يعقل أن رأس أي نظام لا يعلم عنهم , وهذا ما بات الشعب العربي يدركه تماما من تونس حتى مصر ومروراً بدول المواجهة والخليج ووصلاً لأقصى الجزيرة العربية اليمن , أن القادة والزعماء يعرفون من هم المفسدون في أوطانهم ويتغاضون عنهم لأنهم يستخدمونهم كاستخدام الديدان لصيد الأسماك.

....

ولابد من القول أن الغرب قد أستوعب الدرس التونسي وتدرك أخطاءه في الثورة المصرية الحالية , من خلال التغييرات الجلية في تصريحات مسئولية تجاه استمرار الثورة البوعزيزية التونسية والنصائح للنظام المصري بالإصلاحات وتحقيق مطالب أن الشارع والشباب المصري المطالب بالعمل والاحترام والعدالة وبمزيد من الديمقراطية , ولم يحدث سابقا من الغرب مواقف كهذه مع أي بلد عربي على مدار التاريخ , وهو ما لم يدركه القادة والزعماء العرب نظرا لغرق أغلبهم في جب الفساد السياسي والمالي , وهو ما يطرح سؤالا بإلحاح , فماذا بعد يا شعب العرب ؟.