بوابة الرحيل لطارق كرمان 1
بقلم/ د.عبدالمنعم الشيباني
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 16 يوماً
الأربعاء 09 مارس - آذار 2011 04:41 م
 

هذه هي الحلقة (1-3) دراسة لقصيدة (بوابة الرحيل) للشاعر الشاب طارق كرمان..القصيدة تشمل ستة خصائص أدبية بارزة كملامح للشاعر وكنقاط قوة للقصيدة سندرس في هذه الحلقة ثلاثة منها ثم نكمل الباقي -بعون الله- في الحلقة الثانية والثالثة..

لعله من المفيد الإيضاح والبيان -كتقديم للدراسة هذه- أن التجمع اليمني للإصلاح يزخر بعباقرة الشعر والأدب، المخضرمين منهم والشباب، والتيار الناشئ الجديد، حتى انك لا تصدق هذا التدفق الأدبي بتيارات ومدارس تكتب الشعر القديم والحديث، وهناك شاعرات كذلك، وهناك قاصون وقاصات لا حصر لهم، هذا على مستوى الأدب المكتوب بالعربية الفصحى، لم يتم رعايتهم ولا رعايتهن كما ينبغي حتى هذه اللحظة من قبل قيادة وتكوينات ومنظمات حزب الإصلاح.. أبرز الشعراء الإصلاحيين الشباب على الأقل ممن يكتب القصيدة الثورية على طريقة الشهيد محمد محمود الزبيري هما فؤاد الحميري وطارق كرمان ..

قصيدة (بوابة الرحيل) للشاعر طارق كرمان من أجمل ما قرأت من الشعر العمودي الثوري (المعتدل) بلغة منطقية عقلانية تعكس تماماً -وبالضبط والتمام والدقة من غير زيادة أو نقصان -فكر وطرح التجمع اليمني للإصلاح وادبيات الإخوان المسلمين بكل سمات المنطق والطرح العاقل المعتدل والحوار الهادئ المسدد والتعبير الجماهيري المدروس بعقل ونضج واتزان مبالغ فيه، ولا غرو فالشاعر تربية المعاهد العلمية وتربية مدرسة الإصلاح انتماءً وفكراً وولاءً ووممارسةً وهو من بيت إخواني مؤسس وعريق ... ما سبق هو الخاصية الأولى البارزة للقصيدة، أي:-

 فكر وطرح الإخوان المسلمين المعتدل 

يقولون في النقد الأدبي بشكل عام أن قوة تأثير القصيدة من قوة الصور والأخيلة والتحليقات المجنحة الا أن قوة وجمال وتأثير قصيدة (بوابة الرحيل) التي بين ايدينا من قوة الفكرة المباشرة الواضحة بحجة عقلية وفكر منطقي معتدل وموزون ...

ادعو الأستاذ محمد عبد الله اليدومي رئيس حزب الإصلاح أن يضم هذه القصيدة المعلقة الى أدبيات الإصلا ح وتستحق بجدارة أن يحتفي بها مقرات الإصلاح في اليمن وأن تتلى على منابر الجمعة وساحات الإعتصام ووواحات الحرية داخل وخارج اليمن..

قوة وتأثير هذه القصيدة من قوة الفكرة لا قوة الصور والأخيلة، ومن كونها قصيدة مباشرة واضحة.. وقلت فيما سلف من المقالات الغابرة " ليست المباشرة والوضوح دائماً عيباً في القصيدة " واستشهدت بأشعار نزار قباني التي يغلب عليها المباشرة، ومع ذلك أحب الجمهور قصائده وحفظوها عن ظهر قلب أكثر مما حفظوا لغيره من جهابذة الشعر المصور والمطرز بالأخيلة ..

(بوابة الرحيل) تطرح بوضوح ومباشرة فكر الشاعر ورؤيته للتغيير كواحد من القيادات الشبابية في ساحة الحرية اليوم ودعوته للحاكم بالرحيل، ببيان من أرقى صور البيان ، ومنطق فكري لا يختلف عليه كل ذي لب وكل ذي عقل متزن ومنطق سليم.. ومن هنا أقول أن السمة الثانية لقصيدة( بوابة الرحيل) هي:-

المباشرة والوضوح كميزة للقصيدة لا كعيب فيها

هذه المباشرة تطرح أفكاراً سياسية عن الثورات التي بدأت من تونس ومصر وليبيا لإعادة الاعتبار للكرامة والحرية.. و تطرح أفكاراً لا صوراً ولا أخيلة، فلا ضرورة هنا للرمز والخيال، فالطرح طرح سياسيي عن الثورات وأهميتها، وطرح يحرض على التغيير والثورة، لكن البيان من أرقى صور البيان-كما قلت- وهي قصيدة ثورية مبدعة تستحق اسم معلقة ..

المباشرة هي السمة المسيطرة من اول بيت الى آخر بيت، جاء في صدر القصيدة مايلي :-

يـا رياحَ التغيير حُثِّي الغيارى فـي بلادي واستنفري استنفارا

من رُبى تونُسٍ ومن نيلِ مِصرٍ جِـئتِ كالنورِ ترشدين الحيارى

بـانتصارينِ أبـدلا كـلَّ يأسٍ في قلوبِ المستضعفين انتصارا

فـإذا بـالشعوب فـي كل قُطرٍ عـربـيٍّ مُـكَـبّلٍ تـتـبارى

بـسباقٍ حـامٍ على المرتِبِ الثا لِـثِ فـي ثـورةِ الكرامةِ دارا

ذكَــرَ الـليبيّون فيه أبـاهم عُـمرَ الـمختارَ العظيمَ افتخارا

مـسـتلذّين كُـلَّ طـلقة نـارٍ تـقذفُ الـقذّافيَّ خـزياً وعارا

فـاذكروا أيـها الـيمانون آبـا ئَـكُـمُ الـثـائرين والأحـرارا

سـرَقَ الـمفسدون ثـورتَهُم فل تـثِـبوا لاسـتـردادها ثُـوارا

سـرَقوها نـعم، ولم يترُكوا من هـا لـنا إلا الـعيدَ والـتذكارا

واسـتَبدّوا بالحُكم واستأثروا بال أمـرِ واسـتكبروا بـه استكبارا

الخاصية الثالثة روح وفكر محمد محمود الزبيري

أدعو كل محب للشعر أن يعود لقراءة أشعار الزبيري التي يحاكم فيها الطغاة سيجد فيها القارئ روح البيان الواضح والفكر الجلي والطرح المباشر والثورة القوية والثقة في الطرح والأصالة في الفكر .. لنأخذ مثلاً قصيدة الشهيد الزبيري (عودة الأمس) او (الكارثة) ولها اسماء أخرى استلهمها الناشرون والوراقون، القصيدة تحاكم رموز الفساد والإستبداد في ظل الحكم الجمهوري والتي استشهد الزبيري على إثرها، لم يقتله الملكيون من ((آل حميد الدين)) بل الملكيون من ((آل فساد الجمهوريين)) و((المرتزقة باسم الدين)) بعض ابيات (عودة الأمس) للزبيري :-

هذا هو السيفُ والميدانُ والفرسُ واليوم من امسهِ الرجعيُّ ينبجسُ

ما اشبه الليلةَ الشنعاء ببارحةٍٍ مرتْ واشنع من يهوي وينتكسُ

كأن وجه الدجى مرآة كارثةٍ يرتد فيها لنا الماضي وينعكسُ

....

وانتمُ نسخةٌ للظلم ثانيةٌ تداركتْ كل ماقد اهملوا ونسوا

انْ شئتمُ فاقتلوا من ليس يعجبكمْ او من ترون له في قربكمْ دنسُ

...

 والحكم بالغصب رجعيٌّ نقاومه حتى وإنْ لبس الحكامُ مالبسوا

في عهد الزبيري كان حديث الإعلام العالمي والعربي عن تيارين هما التقدمية وتيار الرجعية أي الرجوع الى الوراء بتخلف وجاهلية حضارية، فالنظام الذي يكرس التخلف والفساد والجهل والجمود والتعصب كان يسمى نظاماً رجعياً، وعكسه النظام التقدمي الذي يأخذ بالحضارة والعلم والجديد في التطور العلمي.... أقول بموضوعية علمية لم أجد قصيدة تشبه روح وفكر وثورية الزبيري سوى قصيدة طارق كرمان(بوابة الرحيل) –على الأقل حتى هذه اللحظة ..

 قصيدة الزبيري مفادها أن الرجعية التي كانوا يلصقونها بحكم الإمامة عادت بثوب الجمهورية، فالجمهوريون الجدد ارتدوا عما كانوا ينادون به من النور والتقدم وصاروا أكثر رجعيةً وظلماً وفساداً واستبداداً من حكم الإمام نفسه.. لقد حاكم الزبيري بقصيدته المفسدين والمستبدين والقتلة باسم الجمهورية .. وأما (بوابة الرحيل)لـ طارق كرمان، فالقصيدة مع الجمهورية ولكن بروح العدالة، يحكم الشعب نفسه بحرية من غير استبداد ولا توريث، يحاكم الشاعرُ الرئيسّ ويحذره من التوريث لأبنائه وأقاربه ثم يدعوه للرحيل بسلام..

 قصيدة كرمان هذه ممزوجة بروح الشهيد محمد محمود الزبيري الذي حاكم (الطغاة الجمهوريين ممن انحرفوا بالثورة).. و في معلقته باسم شباب الحرية يحاكم الشاعر طارق كرمان الرئيس مفنداً ما يدعيه من منجزات وداعياً إياه الى الرحيل:-

يـا أبـا أحـمدَ المنادى زعيماً فـي يـمانٍ مُذْ ثلثِ قرنٍ توارى

طُـرُقاتِ الإزفـلتِ ليست نموّاً وبـناءُ الإسـمنت ليس ازدهارا

فـاقتصاد الـبلاد يـوماً فـيوماً مُـذ تـزَعّمتَ لا يَكُفّ انحدارا

تـحتَ إغـضائكَ المعاولُ فيها مـلأتْ أنـفُسَ الـعبادِ دمـارا

وتـغاضيكَ عـن جـرائِمِهمْ لم يَـكُ حِـلماً وإنـما اسـتهتارا

فـاحتمل ثـورَةَ الـشبابِ عليها أم تـوقَّعتَ أن يظلّوا صغارا؟!

لا تَـلُمنا إذِ انـتفضنا غِـضاباً كـثرةُ الـضَيمِ تـستفزّ الحِمارا

جُـلُّ من تحتَ حكمِكُم ولِدوا، لم يـجدوا فـي ظـلالِهِ استقرارا

ثُـلثُ قـرنٍ وهُم يزيدون يوماً بـعـدَ يـومٍ بـطالةً وافـتقارا

لـم يـكُنْ فـيها للمعيشةِ مسعىً لـهُمُ غـيرُ أن يـجافوا الديارا

وبَـقوا في دَوّامَة اليأسِ بينَ ال قـنصليّاتِ يـشتكونَ الـدّوارا

أمَـلاً فـي تـأشيرَةٍ هـيَ رِقٌّ وعُـبـودِيّةٌ تُـنـالُ اخـتيارا

فـإذا لـم يحظَوْا بها في جوازٍ جـاوزوا نحوها الحدود انتحارا

فـيُضامون حيثُ حلّوا اضطهاداً ويُـسامونَ في الشعوبِ احتقارا

فـأَتَتْ مـن مصرٍ وتونُسَ ريحٌ حُـرّةً تَـبعَثُ الأمـاني الكِبارا

فـرَمَوا أحـلامَ الهروب وهَبُّوا بـأيـاديهم يـهدمون الـجدارا

مُـقسِمي الـعهدَ لـلبلاد بأنْ لا يـتركوها فـي ما تعُاني فرارا

بـل يـعيشوا على ثراها كراماً أو يـمـوتوا لأجـلها أحـرارا

ولـهـذا أيــا عـليُّ أقـرُّوا لـك أنـت الرحيلَ عنها قرارا

فـلتدع هـذه الـحلولَ التي تغ ري بـهِنَّ الأحـزابَ لا الثّوّارا

عَزّ شأنُ الشبابِ عن أيِّ حزبٍ حـاكِمٍ أو مُـعارِضٍ أن يُـدارا

كُـل تلك الأحزابِ لم يعبئوا قَبْ لُ بـهِ.. أو يُـعطوه قطُّ اعتبارا

مـا تـبَنّوا هُـمُومَهُ يومَ ضعفٍ أفَـيحْكُونَ بـاسْمِهِ يـومَ ثارا؟

إنّـها ثـورةُ الـشبابِ لمن شا ء الـتحاقاً بـرَكْبِها لا اجترارا

ونـداء الرحيلِ لو كُنتَ تصغي صـارَ فـيها شـعيرةً لا شعارا

فـارْحلِ الآنَ، عاجلاً، هذه اللحْ ظـةَ، حـالاً، بسرعةٍ، وابتدارا

ارْحـلِ الآنَ لـو تكرّمتَ طوعاً ذاك خيرٌ من الرحيل اضطرارا

لا تـعِدنا بـأي شـيءٍ فـلَسنا مـستعدّينَ أن نـشيبَ انـتظارا

وكـفـانا تـعُـلّقاً بـسـرابٍ وكـفـانا لـلمخفقين اخـتبارا

والـقطارُ الذي وعدتَ به ارحل فـوقَهُ أنـتَ.. لا نـريد قطارا

وخُـذِ الـكهرباءَ إن شـئتَ إنّا سـنرى الـليلَ لو رحلتَ نهارا

لا تـراهن عـلى تـسلّحِ شعبي أو عـلى جـهلِهِ ولا تـتمارى

إنّ إيـمـانَهُ وحـكـمَتَهُ كــم بـهما الـجهلُ والسلاحُ توارى

وجنودُ الجيش الأشاوسُ هُم مَن سـوفَ يـحمونَهُ إذا ما استجارا

وانـهيارُ الـنظامِ لا تخشَ منهُ فـهو لـم يُـبْنَ بعدُ كي ينهارا

رايةُ الشعبِ أعطِها الشعبَ لا يح يــى ولا أحـمداً ولا عَـمّارا

بَـيْضَةُ الـحظِّ غـادرَتْكَم إلينا فـاحْسِم الأمـرَ حِسبةً لا قِمارا

الزبيري حاكمهم بصيغة الجمع المخاطب مثل: (أنتمُ) وبصيغة الجمع الغائب مثل: (لبسوا.. نبسوا. .. نسوا ..الخ) وأما طارق كرمان فقد كان أكثر مباشرةً من الزبيري اذ خاطب الرئيس باسمه (علي) مباشرةً وكنيته(ابا أحمد) وسمى اقاربه (يحيى وعمار ) وهي مباشرة معيبة الا في هذه القصيدة حيث غدت هذه المباشرة ميزة أكسبت النص روح التحدي والمجابهة والثورية والمحاكمة المباشرة للرئيس..

 ومع ذلك، التزم الشاعر بأدبيات وأخلاق الإخوان المسلمين ((عدم تجريح الأسماء والهيئات والأشخاص) فالشاعر لم يهاجم شخص الرئيس بل أفكار الرئيس ووعود الرئيس ومنجزاته الواهمة وهذا هو خلاصة ادبيات الإخوان المسلمين في التعامل مع الخصوم والحكام كأخلاق ثابتة لا تتغير عندهم..، (نقد الأفكار وتجنب تجريح الأشخاص)..، بل يصح القول ان الشاعر حين خاطب الرئيس باسمه وكنيته – وهو يدعوه الى الرحيل- انما قصد اللين والتلطف والتقدير لعله يلين..

أختم هذه الحلقة فأقول أن (بوابة الرحيل) غنيةٌ ايضاً بالصور وثريةٌ بالأمثلة لتفنيد أعذار وحجج االرئيس وهي فوق كل ذلك برنامج سياسي وشعار لثورة الشباب الذين يئسوا من وعود الرئيس ورأوا – كما عبرت القصيدة وبحسب أفكار القصيدة ومحاورها- أنْ ليس له من منجزات سوى معاول هدم وسراب ووعود لا تصدق على أرض الواقع..

يتبع الحلقة القادمة

شاعر وناقد أدبي

a.monim@gmail.com